عندما نتعرض للمحن فليس هناك طريق آخر للخروج منها إلا تقبلها والتعايش معها، وذلك بالتطلع إلى ما تبقى لك من الخير والسعادة للاستمتاع بكل لحظة فيها وليس النظر إلى الخلف والعيش فى مدن الفقد والفراق وانتظار ما لا يعود واجترار الأحزان والتى هى بمثابة الموت البطيء، فقد أتاح الله لنا فرص وخيارات كثيرة لتجاوز تلك الصدمات والنكسات بل قد تكون نقطة تحول فى حياتنا لاكتشاف أنفسنا، فمن رحم الظلام يأتى شعاع النور والرحمة.
يقول بلوتارخ: "يظهر معدن الإنسان فى الطريقة التى يصمد بها تحت وطأة وقت المحن".
لذلك حاول أن تتجاهل تبعات المحن من أشياء سيئة تحاصرك وتدخلك متاهة اليأس بل والسخط على كل من حولك، بل حاول أن تتجاهل ما يخطر على بالك من أفكار مزعجة تعكر صفو حياتك، لذلك واجه مشاعرك وحزنك بدلاً من تجنبها حتى لا تدخل فى متاهة اللوم والعتب والتحسر، ولو كان هذا ما حدث هذا...، حتى لا تشتت دفاعاتك النفسية فى وقت الأزمات بالانصراف إلى أشياء تزيد الأمر تعقيداً وتوتراً وتفقدك الكثير من الثوابت والأشياء الجميلة بداخلك.
يقول سوفوكليس: "أشد الأسى أن ندرك أننا السبب الوحيد فى كل المحن التى تواجهنا".
حاول أن تكتشف الخير الكامن فى المحن والأزمات والأوقات العصيبة، واكتشف ما بين سطورها فى الحياة ونتائجها وانظر إلى الجانب المشرق منها لأن الشر المحض ليس موجوداً بل هناك مكاسب وفوائد لا تعد ولا تحصى، فكم من انكسار قادنا إلى نتائج مذهلة ونجاحات باهرة، لذلك حاول قراءة ومراجعة الأحداث بتمعن لتستشعر عظمة الخالق فى رحمته وعدله معك بإمدادك بكل ما يخرجك من كبوتك، فالمحن هى فرص لتحسين حياتنا للأفضل، فبنظرتك للأشياء بعمق وتمعن وليست بنظرة سطحية، وما يعين على ثباتك وقت المحن خبراتك وكثرة ما رأيت من ابتلاءات للغير ومصادقة أهل الخير القادرين على إعادتك إلى حالة الصواب مرة أخرى عندما تفقد توازنك حتى تستوعب الصدمة التى سببتها تلك الأزمة. يقول ابن خلدون: "الناس فى السكينة سواء، فإن جاءت المحن تباينوا".
ففى المحن قد تكتشف الكثير من المبادئ الخاطئة التى كانت أساس عقيدة حياتك وبسببها كانت ردة فعلك سيئة تجاه من حولك، لذلك مهم جداً أن تدرك قيمة ما تفعله تجاه الأحداث وتتحكم فيه، وثق أن المشاعر السلبية من خوف وقلق تتلاشى بمرور الوقت مع أن الصدمة قد تكون أكبر من قوة احتمالها ولكن المؤمن الحق هو من يدرك ويستشعر عظمة المحن فيهدأ حاله ويزداد قوة واتزان فيؤجل أى قرار يتخذه فى وقت الأزمة ويتعامل مع نفسه برفق ويحدد ما هو ضرورى لفعله حتى تمر المحنة بسلام. تقول سامية جلابي: "انتبه ! الوجع الكامن فى أعماقك، ينتظر لحظة استسلام الأمل فيك ! كى ينقض عليك ويهمشك يأساً".
وكم من الأقدار التى ظننا أنها مؤلمة وقاسية وفاجعة مهلكة وضربة قاضية لنا فوجدناها بداية حقيقية لحياة أجمل وأرقى. وكم من الأشياء التى سعينا إليها بقوة وظننا أنها خير فإذا بالأمر كله مصدر شقاء لنا، فقط ثق أن تقدير الله لأمورك هو أكثر أمناً وخيراً. يقول ويليام آرثر وارد: "المحن الصعبة قد تحطم بعض الرجال إلا أنها قد تدفع رجالاً آخرين لأن يحطموا بعض الأرقام القياسية".
احرص على ذكر الله وكثرة الصدقة ولا تتردد فى ذلك، وأعلم أن اختيار الله لك فى كل أمورك خير، وأبشر فالله قريب منك يعلم ما أصابك ويسمع دعائك فأصبر صبراً جميل فإن مع الشدة فرجاً ويسر ومع البلاء عافية، وفى المرض شفاء وفى الضيق سعة.
يقول ستيفن هوكينج: "إنها مضيعة وقت أن أكون غاضب بشأن أعاقنى.. على الشخص أن يكمل حياته وهذا ما قمت به.. لن يكون هناك وقت من الناس لك إذا كنت دائما عصبى أو تشكي".