لا خلاف على أن محاولتنا تغيير أصحاب الطباع السيئة يعتبر تصرفًا إيجابيًا محمودًا، لاسيما وأن الأمل دائمًا موجود فى التغيير للأفضل، ولكن لابد لنا أن ندرك أننا من المستحيل أن نغير أى شخص إلا فى حالة واحدة فقط، إذا كان هو على أتم الاستعداد لهذا التغيير، وأن يتم التغيير بإرادته ورغبته، وإلا فجميع محاولاتنا ستبوء بالفشل ؛ لأن الإنسان هو أقوى كائن على وجه الأرض؛ وذلك لحملة سيكولوجية خاصة به من الصعب الوقوف عليها وإدراكها كليةً، علاوة على صفة التمرد التى تُخلق معه، فهو دائمًا يرفض أن ينصاع للآخرين ويتحول إلى دُمية فى أيديهم، يحركونها كيفما يشاءون، والأهم من هذا وذاك هو صعوبة اعتراف أى إنسان بطباعه السيئة، فلكى ينجح فى تغييره لابد من إقناعه بسوء هذه الطباع واعترافه بها، لذا علينا أن ندرك أن تغيير الطباع ليس بالشىء الهين، وصدق من قال: "الطبع يغلب التطبع" .
فقد كان هناك أعرابى يرعى غنمه فى إحدى البوادى، فعثر على جرو صغير، فأخذه ليربيه؛ ظنًا منه بأنه جرو لكلب، فقام هذا الراعى بالاعتناء به أفضل عناية، وخصص أفضل نعاجه ليطعمه من حليبها حتى أصبحت تلك النعجة بمثابة الأم الحنون لذلك الجرو، ومرت الشهور، وكبر هذا الجرو حتى أصبح قويا، وفى ذات صباح قام الراعى كعادته ليرعى غنمه، فصُدم من هول ما رأى فى حظيرة الأغنام، حيث وجد أن ذلك الجرو قد ذبح النعجة التى هى بمثابة أمه، وذلك بأن قام بقطع رأسها ونهش لحمها، وعندما عرف الراعى بأن ذلك الجرو إنما هو جرو ذئب وليس كلب، وقف مصدومًا وأنشد مخاطبًا ذلك الذئب قائلا:
بقرت شويهتى وفجعت قلبي وكنـت لشاتنـا ولـدًا ربيـب
غُذِّيتَ من دَرِّها ولبثت فينا ويحك من أنبأك بأن أباك ذيب
إذا كان الطبع طبـع سوء فلا ينفــع أدب ولا تأديــب
فبالفعل، من أصعب الأمور التى يمر بها الإنسان هى محاولة تغيير طباع أى شخص، فهذا أمر أظنه لا يحدث إلا بمعجزة، فالطباع لها قدرة رهيبة على فرض سيطرتها على صاحبها تمامًا، وإن نجح فى محاولـة تغييرها فى بعض المواقف، أظنها تسيطر فى النهاية وتتغلب عليه؛ لأنها لصيقة بشخصيته وتكوينه، وربما بجيناته، ولكى تحدث المعجزة لابد وأن يكون الدافع نابعًا من داخل الإنسان فى تغيير طباعه.