الأزمة التى تواجه أغلب الناس سيما الشباب، هى أزمة الوساطة والمحاباة، وبالفعل فهذه تعتبر مشكلة المشاكل؛ لأنها تُشعر أى شخص له الحق فى الحصول على أى ميزة سواء أكانت فى الدراسة أو العمل أو شيء حياتى، أنه لن يحصل على حقه طالما أن له قرناء لديهم من يحابى لهم ويساعدهم على اقتناص الفرص حتى ولو لم يستحقوها، ولكن المشكلة الحقيقية أيضًا أنه أحيانًا يضطر أصحاب الكفاءات والإمكانيات للبحث عن الوساطة لكى يحصلوا على حقوقهم؛ لأنهم على يقين أنهم لن يشعر بهم أحد إلا بوجود من يُزكيهم ويتوسط لهم،، فللأسف، الوساطـة أصبحت وسيلة الناجح والفاشل، فكلاهما يبحث عنها، وصدق من قال: آه ما هى كوسة"، ولكن بالطبع يتساءل الكثيرون، لماذا ترددت "الكوسة" تحديدًا فى هذا المثل دون بقية الخضروات.
والقصة الحقيقية ترجع إلى عصر المماليك، حين كانت تُغلق أبواب المدينة كلها ليلاً، ولا يُسمح لأحد بالدخول، وكان التجار ينتظرون حتى الصباح لكى يدخلون المدينة ويُتاجرون ببضاعتهم، ولكن ثمة استثناء كان يُمنح لتجار "الكوسة"؛ وذلك لأن الكوسة من الخضروات سريعة التلف، ولذا كان يُسمح لبائعى الكوسة فقط بالدخول والمرور من الأبواب، وذات مرة صاح أحد التجار بصوت عالٍ قائلاً: "آه ما هى كوسة"، ومن هنا صار استخدام هذا المثل للتعبير عن الوساطة والمحاباة، ولكن السؤال، هل نحن بالفعل نلجأ للوساطة لأسباب ضرورية مثل القصة السالفة التى كان يُخشى فيها من تلف "الكوسة"، بمعنى أدق، هل نحن نستعمل الوساطة من أجل حماية أصحاب الحقوق ؛ خشية ضياع حقوقهم ؟ أم أننا نلجأ إليها لكى نُعزز مواقف أشخاص لا يستحقون أصلاً ما يُطالبون به، وربما نساعدهم فى سرقة حقوق غيرهم ؟! وهل لو تخلينا عن أصحاب الحقوق سيضيعون وسط ألغام الفساد والعشوائية ؟ أسئلة كثيرة أعتقد أنه من الصعب على أى شخص أن يُجيب عليها، ولكن يكفينا معرفة العلاقة بين الكوسة والوساطة.