كتب الكاتب الساخر محمود السعدنى فى كتابة المضحكون يقول (أنا أضحك أذن انا سعيد وبعد فترة طويلة من الزمن اكتشفت أن العكس هو الصحيح واكتشفت أن كل رجل ضاحك رجل بائس وانه مقابل كل ضحكة تفرقع على لسانه تفرقع مأساة داخل أحشائه وأنه مقابل كل ابتسامة ترتسم على شفتيه تنحدر دمعة داخل قلبه) وقد صدق السعدنى فى قول تلك الكلمات فﻷول مرة أرى هذا الفنان الكوميدى الجميل الذى كان دائما يرسم البسمة على شفاهنا وتعلو ضحكاتنا على أدائه التمثيلى الجذاب بتلك العيون الممتلئة بالدموع وأنفاس متقطعة لا يقدر على التعبير عن ما بداخله من ألم عندما أخبره الطبيب فى يوما مشئوم إن زوجته الحبيبة وأم أطفاله ستغادر الحياة بعد أيام قليلة وعليه أن ينتظر بجوارها ويتعايش مع تلك اللحظات المريرة صامدا لا يشعرها بشىء.. عبد المنعم إبراهيم الذى يطلق عليه الضاحك الباكى تفاجأت عندما شاهدت وقاره وجديته وحزنه المختلط بخفة دم فى أحدى لقاءاته التليفزيونية القديمة فتشعر أنك أمام شخص أخر عكس ماتعودت عينيك رؤيته على الشاشة ولا يخطر ببالك أن هذا الشخص قد لعب دور فتافيت السكر فى فيلم سكر هانم أو الصحفى فى سر طاقية الإخفاء.
ولد عبد المنعم إبراهيم فى أحدى القرى البسيطة ميت بدر حلاوة وتشكل وعية التمثيلى فى عمر التسع سنوات حيث كان والده يصطحبه إلى مسرح على الكسار وكان لهذا دور كبير فى تشكيل موهبته وحبه للتمثيل فقد كان يرى الجمهور مستمتع للغاية باﻻداء الحركى والتمثيلى للكسار عل خشبة المسرح وكان ذلك يدفعه بلعب تمثيليات بسيطة مع أبناء القرية يحاكى فيها قصص العمده والفلاحين التى تحدث أمامه وكانت الأرض الزراعية المسرح لهم والسماء والطبيعة سينوغرافيا ذلك المسرح حتى دخل إلى المدرسة وأسند اليه معلمه تقديم تمثيليات من تأليفه ليلقيها على الطلاب فى أذاعة المدرسة ثم فى المرحلة الثانوية تلاقى بزميله فى ذلك الحين عبد المنعم مدبولى وتشاركا سويا فى تقديم مسرحية تسمى الضحية على مسرح الأزبكية ومن هنا أنطلق عبد المنعم فى ساحة الفن من مسرح إلى سينما إلى تليفزيون وكان للمسرح النصيب الأكبر فى مشواره الفنى ولكن شعبيته الحقيقية جاءت عن طريق السينما التى لعب فيها أدوار عديدة ولكنها فى النهاية لم تكن كافية ﻷظهار موهبته الحقيقة فكان دائما يظهر فى دور صديق البطل الذى يضيف على الفيلم خفة ظل ويكسر حدة أحداث الرواية وكأنه يخرج المشاهد قليلا ليستريح ويلتقط أنفاسه ثم يعود مرة أخرى لاستكمال الأحداث وهذا هو القالب الذى وضع فيه عبد المنعم إبراهيم فرغم موهبته الجبارة كان يقبل أدوار عديدة بسبب حاجته الشديدة للمادة وما أشد قسوة على الإنسان من قبوله شيئا يرفضه عقله بسبب احتياجه للمادة فيصبح طوع أمرها بدلا من أن تصبح هى طوع امره وعلى الرغم من ذلك لا نغفل أيضا كم الرصيد الهائل من الأفلام التى لعب فيها شخصيات متنوعة مثل دوره فى فيلم الوسادة الخالية، والسفيرة عزيزة، إسماعيل ياسين فى الأسطول، إشاعة حب، وقد لعب فى بداية حياته كوميديا فارس وهى نوع من أنواع الكوميديا التى تعتمد فى ضحكها على المبالغة فى الحركات ولكنه قال إنه لا يحب هذا النوع من الكوميديا لذلك أتجه إلى مدرسة الكوميديا الأخلاقية التى ينبع الضحك منها من خلال المواقف الانسانية داخل سياق الرواية وبجانب ذلك كشفت الدراما التليفزيونية فى نهاية حياته عن وجه تراجيدى من العيار الثقيل وذلك فى مسلسل أولاد أدم ورغم عبقريته فى الأداء التراجيدى فتشعر أنه ممثل أخر تماما عن عبد المنعم الكوميدى وهنا تكمن سر عبقريته.
عبد المنعم إبراهيم لم يأخذ مكانته فى السينما كما يستحق فهو مبدع وطاقة فنية هائلة فهو الذى يعد أسلوبه السهل الممتنع تشعر أنه بسيط ولكنه يخفى الكثير فكتب عنه السعدنى( يقول أنه لورى الشرق فلو كان ظهر فى عصر السينما الصامتة لكان اضحك الجمهور حتى البكاء.)