يمر الإنسان بمراحل مختلفة من خلال نموه، وتطوره جسديًا وفكرياً وثقافيًا؛ ليصل إلى مرحلة النضج وتمام نمو جسده ووعيه بتفاصيل الحياة التى يعيشها.
ويسعى الشاب فى فترة فحولته إلى تكوين أسرة؛ لغريزة أودعها الله فيه تناديه نحو الارتباط بنوع مختلف بيولوجيًا والسكن إليه (الأنثى)، وذلك ضمانًا لاستمرار النوع الإنسانى.
وعندما يقع إختياره على شريكته فى الحياة، تبدأ رحلة من المعاناة، وتفرض عليه مجموعة من الطقوس والترتيبات المثقلة والتى ينوء بحملها الرجال الأغنياء أولى القوة، فما بالك بشاب يخطو أولى خطواته فى الحياة العملية.
ترعى هذه الإجراءات والترتيبات أم العروسة وأم العريس، ولكونهما سيدتان فإنهما تميلان إلى حفظ حق الطرف المؤنث، فيطالبنه بمهر وشبكة وأثاث وملابس وأدوات منزلية وكهربائية، وأيضا حجرة للأطفال، وتزيد الأسر فى الصعيد الأمر تعقيدًا ببند المأكولات التى تقدم لأهل العريس فى أيام الزواج الأولى، حيث يرسل لبيت العريس طيلة سبعة أيام متواصلة المأكولات الشهية الساخنة فى وجبتين متتاليتين: الغداء، العشاء وهو الأوفر حيث يتضمن اللحوم والحمام البلدى المحمر وغيره من أنواع الأطعمة.
وتلجأ الأسر غير الميسورة إلى ترتيبات اقتصادية مكلفة عند تزويج البنات، مثل رهن قطعة أرض أو بيعها، أو بيع كل غالٍ ونفيس؛ من أجل تستير البنات، وتبالغ الأسر على اختلاف قدراتها الاقتصادية فى مثل هذه التجهيزات بشكل تراكمى بحيث يتم زيادة مثل هذه التجهيزات كل عام مما أدى إلى انصراف الشباب عن الزواج المكلف وارتفاع سن الزواج بشكل ملحوظ فى جنوب مصر.
ومن أعجب المنقولات الزوجية "النيش" وهو دولاب زجاجى تحفظ فيه مجموعة من الأكواب والماجات والأطقم، للعرض فقط تظل هكذا ثابتة دون أى دور فى مسيرة الغذاء الأسرى لسنوات.
وقد نلحظ مشاعر الكراهية تجاه النيش من البعض، ونسمع عبارات الاعتراض عليه، لكنه يبقى رغم كل ذلك الشيء الوحيد غير المرغوب فيه والباقى ما بقى الأمن مستتبًا فى إجراءات الزواج المصرى.
وقد أدت مشاعر الكراهية للنيش إلى إطلاق الشباب للمبادرات ضد النيش، بالتوازى مع مبادرات تنادى بإسقاط الشبكة الزوجية كأهم عقبة فى سبيل رحلة الشاب نحو تكوين أسرة وعلى نبل مبادرات إسقاط الشبكة إلا أننى اراها مجحفة وغير مستندة إلى أساس شرعى حيث ورد فى الحديث قول النبى" صلى الله عليه وسلم" لمن يرغب فى الزواج "انظر ولو خاتمًا من حديد" كدليل لأهمية الشبكة الزوجية إضافة إلى المهر المقدم للزوجة، مع إمكانية التخفيف إلى أبعد حد ما يتناسب مع الحالة الاقتصادية لزوج المستقبل.
الشيء الذى أراه فى النيش ومشابهاً للحياة الزوجية للكثيرين من المصريين، هو حالة الاختزان للأشياء النادرة دون استخدام سواء داخل النيش، أو بمكنون صدورنا من مشاعر محبة وتقدير للطرف الآخر دون أن يظهر ذلك فى تصرفاتنا اليومية أو فى عباراتنا.
لذلك أدعو كل الأزواج إلى تحطيم بوابات النيش المغلقة والإستخدام الأمثل لمحتوياته بشكل رشيد، وإن تعسر ذلك الأمر لعدم اتفاق الأطراف الداخلية حول ذلك، فإننى أدعو لاستخدام النيش المعنوى بمحتوياته من المنقولات العاطفية التى أهملنا تلميعها وعرضها بمرور سنين الزواج.