كثيرة هى الأشياء المسروقة من المجتمع المصرى مع الاختلاف بين شخص وآخر، فهناك شخص سرق منه عمله وأخر سرقت منه حريته وآخر سرقت منه حياته وآخر سرقت منه فرحته ولكن وبكل تأكيد أستطيع أن أجزم لكم أن هناك شيئا آخر أجمع الشعب المصرى بل والعالم العربى على أنه سرق منه ألا وهو الابتسامة، الابتسامة التى لم تعد تعرف إلى المصريين طريق.
ولكن ما جذب أنتباهى عندما طالعت مقال نشر بمجلة النجاح الأمريكية تناول علاقة الأطفال بالابتسامة وذكر فيه أن الأطفال يبتسمون ويضحكون ما يقارب من 400 مرة فى اليوم وإذا ما قارنها بالكبار يبتسمون 14 مرة فى اليوم وكأن الأشخاص ينسون الابتسامة كلما تقدم بهم العمر.
وهذا ما جعلنى أتأمل فليلاً ماذا لو تم تطبيق هذه الدراسة على المجتمع المصرى الآن يا ترى ما هى النتائج التى سوف تسفر عنها هذه الدراسة؟
هل سنجد هذه النسبة لدى الأطفال المصريين، أم هل سنجد رجلاً فى المجتمع المصرى أجمع يبتسم 14 مرة فى اليوم ؟ أم أن المجتمع المصرى نسى الابتسامة تماماً، ما أتوقعه أن هذه الدراسة سوف تؤكد أن المجتمع المصرى لم يعد يعرف الابتسامة... وهذا ما جعلنى أبحث وأتأمل أيضاً عن الأسباب التى من الممكن أن يبتسم من أجلها المصريين فظللت أبحث بين طيات الماضى والحاضر وأفتش كثيراً فى العديد من جوانب المواطن المصرى البسيط والتى بمجرد أن بدأت فيها سمعت "أنين قلمى".
فتجولت فى الجانب الأسرى فوجدته مليئا بالمشاكل والخانقات بين الأزواج وارتفاع معدل حالات الطلاق وكثرة القضايا داخل محكمة الأسرة ووجدت الجفاء بين أراد الأسرة الواحدة فلم أجد سبباً للابتسامة.
ثم ذهبت إلى الجانب الاقتصادى فرأيت الوضع السيئ الذى يعانى منه الاقتصاد المصرى فرأيت جنون الدولار وانبطاح الجنية رأيت الارتفاع الجبار فى الأسعار كل يوم عن الأخر بلا رقيب وهذا كله فوق رأس المواطن أو بمعنى أصح الذى أصبح شبه "مواطن" والذى يستيقظ كل صباح على ضربة جديدة فوق رأسه من حكومته، ورأيت كذلك نواب البرلمان يتفننون كل يوم فى فرض ضريبة جديدة على من جاء بهم إلى هذا المكان، رأيت كذلك شباباً مكبلون بارتفاع الأسعار وعلى رأسها الذهب وارتفاع المهور مع ارتفاع نسبة البطالة لا يدرون أين يذهبون ولمن يصرحون وكيف سيتزوجون.
فبحسب تقرير الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء بلغ متوسط قيمة الدخل السنوى الأجمالى للأسرة المصرية 30.5 ألف جنيه وتقدر قيمة الدخل من العمل 44.7 تحت بند الأجور والمرتبات و15.4 من المشروعات غير الزراعية و10.3 من المشروعات الزراعية.
ويبلغ عدد العاطلين عن العمل نحو 3.6 مليون شخص بنسبة 12.5% من أجمالى القوى العاملة وبزيادة 78 ألف عاطل عن العام الماضى فهل هذا يفى بحاجة المواطن المصرى مع جنون الأسعار ؟! وبذلك لم أجد سبباً اقتصاديا يدعو إلى ابتسامة المواطن المصرى.
ثم انتقلت إلى الجانب الذى لطالماً كان سبباَ فى فرحة المصريين ألا وهو الرياضة فوجدت أننا لا زلنا لا نستطيع تنظيم بطولة واحدة بشكل مشرف فبطولة الدورى سبباً للمشاكل بين الأندية والاتحاد والجماهير والمدرجات خاوية على عروشها وجدت أن البعثة المصرية التى شاركت فى أولمبياد ريو دى جانيرو لم تحقق سوى 3 ميداليات برونزية مع العلم أن البعثة مكونة من 121 لاعبا ولاعبة وعدد مماثل من الأجهزة الفنية والطبية وجدت أن البعض يهلل لصعود المنتخب المصرى إلى بطولة الأمم الأفريقية بعد غياب دام ثلاث بطولات متتالية فلم أجد أيضا سببا يدعو إلى الابتسامة.
وأخيراً أقول أن هذه الأسباب قادرة على الفتك بمجتمعات وليس مجرد غياب الابتسامة فقط.