تضعك الظروف فى مواقف تضطر فيها لشرح وجهة نظرك وتبرير تصرفاتك وتبرئة نفسك من تهم تكال لك نتيجة سوء ظن أحدهم وتربصه بك ليس إلا. ليس هذا فقط بل وفى عالم اليوم الذى تصل فيه لآخر الدنيا بضغطة زر تجد نفسك قد تعرضت ظلما لحملة تشويه متعمدة ومفتعلة يعمدون فيها لتجريدك من حقيقتك وصبغك بصبغات مزيفة فقط لأن من يلجأ لذلك يجيد فن الخداع والتصنع ولديه ذلك القناع البراق الخادع !!.
والسؤال: هل أنت مضطر فعلا للشرح والتفسير والتبرير؟ هل لزاما عليك تبرئة نفسك ورد اعتبارك بنفسك فى أمر لست طرفا فيه؟
الأصوب والأرقى أن تتجاهل كل ذلك اللغط لا أن تقحم نفسك فيه وتنحدر بها إلى هوة عميقة من غباوة البشر وفضولهم وتفتح لهم بابا واسعا لينفذوا إلى حياتك وما بها من خصوصية وتفاصيل لا يحق لهم الاقتراب منها، تستطيع أن تصف ذلك الهراء والهذيان بالبركة الموحلة الآسنة إياك والسقوط فيها.
كتبت ذات مرة فى مقال لى: "حين يعتقد البعض أن صمتك هو ملاذك الأخير للاحتماء أو الاختباء والتوارى فهم حتما مخطئون. وحين يعتقدون أيضا أن صمتك ضعفا واستسلاما أو خنوعا وانهزاما فهم أكثر خطأ وجهلا وغباء. فللصمت فلسفة وثقافة ولغة لا يفهمها إلا ذو إحساس وعقل وبصيرة، وهم قليل للأسف."
"تتخذ الصمت خيارا حين تنهكك الخطوب عن الكلام والبيان فتصمت وما أروع ذلك بيانا فقط لمن يفهمك. تنأى بنفسك عن الانغماس فى ثرثرة ولغط يضيعان حقك ويستنزفان طاقتك ويدمران ما بقى لديك من قدرة على التحمل أو رغبة فى العيش".
اختبرت فى الحياة مواقفا كثيرة رأيت فيها أشخاصا يتم التجنى عليهم كذبا لحقد أو غيره أو ضغينة غير معلنة ولا مفهومة لكنهم واصلوا حياتهم دون التفات أو اهتمام ففازوا براحتهم النفسية وأحرزوا نجاحا فى حياتهم وحصلوا من الله على مكافئتهم الخاصة التى كانت كفيلة بتصحيح الصورة المقلوبة والوضع المعكوس. باختصار تم رد اعتبارهم بتدابير القدر دون أن يلتفتوا إلى ذلك الكذب والافتراء عليهم ودون أن يثنيهم ذلك عن مواصلة حياتهم والاستمتاع بها أو عن الوصول إلى وجهتهم.
أعلم أن الناس فى مجتمعنا دوما لديهم استعداد وتأهب للنيل من بعضهم البعض والتجريح فى بعضهم حتى ولو كان لديهم يقين راسخ بكذب ما يصلهم من أخبار وما يروى لهم من قصص عنك أو عن غيرك ويفسر أصحاب الرأى والقلم ذلك الميول الغريب والمقيت بأنه ثمة متغيرات عديدة وتحولات مفزعة أصابت مجتمعنا الذى كان طيبا ذات يوما آمنا على أبنائه فيما مضى. غير أن نجيب محفوظ حسم الأمر حين أكد أن "آفة حارتنا النسيان"، كذلك أولئك الذين تصلهم الأكاذيب عنك يشعرون بنصر مريض للنيل منك وتجريح صورتك غافلين عن حقيقة بديهية مؤداها أن كل ليل يولد من جوفه فجر بديع.