تعريف الهجرة غير الشرعية: هى الانتقال من بلدٍ "فقير ماديًا وذو إمكانيات ضحلة"، إلى بلد لديه فرص عديدة من الممكن الاستفادة منها – لكن – كل ذلك يحدث بطريقة غير شرعية، أى بعدم دخول بلد الفرص بصورةٍ قانونية، كما ترون حضراتكم أنه تعريف سهل وبسيط جدًا لا يحتاج إلى تفكير كثير للتدقيق فى ماهيته، لكنه يحمل خلفه أوجاع وآلام، وقهر وذُل، عندما تعارض هذا التعريف مع أحلام شباب مصر تعارضًا كبيرًا، وباتت أحلامهم تتناثر فى مهب المياه التى يتقاذفون إليها دون أن يُدركوا أنهم يُلقون بأيديهم إلى التهلكة.
مصر، بلد غنى بإمكانياته لم يَتصف يومًا بالفقر، وتاريخنا المُتعاقب يؤكد على ذلك بداية من الفراعنة حتى ستينيات القرن الماضى، فلا يمكن لبلدٍ فقير أن تَطأ أقدام الغزاة أرضه بأى حالٍ من الأحوال، ونحن بُلينا بهم منذ الهكسوس حتى العدوان الإسرائيلى على أراضينا، وفى القرن التاسع عشر تصارعت علينا كُبرى الدول؛ من أجل الاستئثار بخيراتنا، وفوق كل ذلك فقد ذُكرنا فى كتاب المولى عزَّ وجل، وذُكرت خيراتنا خاصة فى سورة يوسف، فكيف أصبحنا بلد طارد لسكانه فجأة، وتحول حلم الشباب فى إيجاد حياة كريمة على أرضه مستحيلاً لا مناص منه؟!.
تكمن الإجابة على هذا السؤال فى مشكلة كبيرة تُسمى بـ "توزيع الثروات"، والتخطيط غير الجيد للمؤسسات الحكومية الخدمية، وعدم انتشارها بالشكل الذى يتناسب مع الكثافة السكانية فى المحافظات المترامية الأطراف، أو حتى الداخلية، وباتت فكرة توفير معيشة غير مُرهقة لكثيرٍ من الأسر، غُصة فى حلقهم، وشوكة تضرب ظهورهم يوميًا، فلا هم يتمتعون بالإمكانيات التى ينعم بها غيرهم، ولا هم بإمكانهم الحصول على الحد الأدنى من المعيشة، وتُصبح فكرة الهجرة حتى وإن كانت "غير شرعية" أمرًا محتومًا لا بديل عنه، فى ظل الأوضاع والظروف الراهنة.
لكن وبرغم كل ما سبق، وإحقاقًا للحق فهناك فُرص عديدة فى هذا البلد لا يشعر بها شباب مصر، أو يُمكننا القول أنهم يستعجلون الربح السريع المُريح، ولا يريدون بذل المزيد من الجهد والعرق ؛ والصبر على ما يقومون به من عمل قد يحتاج لفترات طويلة، لكى يُصبح مشروعًا ناجحًا، ولنا فى النموذج السورى على أرض الوطن العِظة والعِبرة، فهم المثال الأوحد على الصبر وتخطى عقبات كثيرة، بثباتٍ وعزيمة يحسدون عليها، جاؤوا إلى مصر، أقاموا فيها، وأنشأووا مشاريعهم الخاصة، حتى وإن لم يبدؤوا بها، فقد تراهم يمتهنون أى مهنة؛ حتى لا يُطلق عليهم "عاطل"، وبعد أن يجمعوا بعضًا من المال يُمكنهم من إقامة مشروعهم، يُقدمون على ذلك بلا تردد، يثقون فى قدراتهم وبما لديهم من "صَنعةٍ" تؤهلهم للنجاح على هذه الأرض، التى أتوها بهجرة غير شرعية بالمناسبة، والآن هل ترى سورى واحد هنا عاطل عن العمل؟ أو تراه غير ناجح فى مشروعه ؟!!، أعتقد جميعنا نعلم الإجابة على هذين السؤالين، لكن السؤال الأهم منهما، أين كنت يا ابن بلدى قبل أن يأتى غيرك لبلدك وينتفع بمكاسبها وخيراتها؟!، أقول لك أين كنت، كنت تتأفف من العمل البسيط، المُرهق، الذى تراه يُقلل من كرامتك – رغم أنه لا يوجد عمل فى العالم يكون شريفًا ويُقلل من كرامة أى انسان – فى حين أنك إذا سنحت لك فرصة السفر، من الممكن أن توافق على نفس هذا العمل بكل سهولة وتُرحب به المهم أنه فى مكانٍ بعيد عن بلدك، أليس فى هذا بعض السخرية!!.
لهثك وراء السفر - مع أنه فى بعض الأحيان - يكون الحل المفيد الوحيد لظروفك القاسية التى تعيشها هنا، لا يُبرر لكَ خطؤك الفادح فى استسهال الفكرة واعتبارها هى الحل الأمثل للعديد من المشاكل التى تواجهها، فتبيع كل شىء وتدفع "دم قلبك"؛ من أجل أن تُضحى بنفسك وبأسرتك فى سبيل حلم السفر، تلغى عقلك وتسير مُباشرة وراء رغباتك، فلا تعِ إلى أين ستأخذك تلك الرغبات، ولا تفكر فى المصير المحتوم الذى ينتظرك أنتَ وذويك.
نعم هناك مشكلة مُستعصية فى مصر تُسمى البطالة، لكن لكل مُشكلة حل – فقط – عليك بالسعى، بالتفكير السليم فى مستقبلك، لا تجعل السفر أكبر أحلامك، إلا إذا استنفذت كل الفرص هنا، وضاقت عليك الأرض بما رَحبت ساعتها، من الممكن أن تُفكر بشكلٍ جدى فى السفر بطريقةٍ تحفظ لكَ آدميتك، وتصون بها كرامتك، وتضمن معها فرصة عمل حقيقية خارج البلاد، أمَّا استغلال سماسرة الهجرة غير الشرعية لظروف ذوى الحاجة والعوز، فهم من وجب عليهم تطبيق عقوبة الإعدام فى أمثالهم ليكونوا عِبرة لمن يعتبر، فلا يستطع غيرهم النهش فى لحم المضحوك عليهم باسم "فرصة فى أرض جديدة".
أرض الأحلام قد تكون بلدك، أو قد تكون غيرها، أنت من تملك الحلم وتملك العقل أيضًا، تدبر أمرك كيفما شئت، فكل نفسٍ بما كسبت رهينة، وأنت من تتحكم فى مصيرك تُلقيه فى اليم فتهلك، أو تُلقيه فيما ينفعك، فتنجح وتعيش سعيدًا.