محمد خالد السباعى يكتب: عم محمد

لم أستطع يومها أن أغفو ولو لبضع ساعات، فكانت كلماته تتردد فى أذنى كلما حاولت أن أغمض عينى، أتذكر أن الموقف لم يكن يستدعى كل هذا التفكير من قبلى، فكان من الممكن أن يكون حدث من ملايين الأحداث التى تحدث يوميا ولا يلقى لها بالا، ولكنى لم أستطع يومها أن أجعل هذا يمر بسلام. رجل فى السبعين أو أكثر من عمره لا أستطيع أن أحدد بالضبط، ولكن أنا على يقين أنه قد أخذ من الأعوام ما يكفيه، لحية شاردة حتى تظن أن كل شعرة فيها تخبرك بقصة مر بها، يلبس قميصا وبنطالا على قدر كبير من التناسق وقليل من الرفاهية، وجوزين من الأحذية أتذكر أنهم كانوا ليسوا بالسوء أو الجودة العالية، كانوا جيدين فى قدميه، والغريب بسمة حاولت وسط لحيته وتجاعيد وجهه أن تظهر، وبمجرد أن تركت هاتفى بعد مكالمة طويلة محاولا إنهاء عملى نهائيا لأنى بالفعل سئمت من هذا العمل، وبعد جملة أوقن أنى كنت لا أعلم حجمها فى هذه اللحظة، وهى "إيه الشقى ده"، بدأت كلماته تنساب إلى أذنى مع ابتسامة ساخرة "هو أنت لسه خدت نصيبك من الشقى"، من هذا؟ وكيف له أن يعلم ما عانيت؟، كيف حكم على أنى لم آخذ نصيبى بعد؟، ثم ولماذا لى نصيب؟، فالشقى ليس شيئا يتهافت عليه الخلق ليأخذون حقهم منه، ولا أظن أنه رزق فيتوزع على العباد بالتساوى - أو هذا ما كنت أظن- ". يكمل "عمرك قد إيه يا بنى؟ " أجبته؛ فلا أريد أن أكون غليظا فى أولى كلماتى بل على العكس شعرت أنه من الممكن أن يرينى شيئا يغفل عقلى العشرينى أن يراه، "عشرين"، يكمل " واشتغلت قد إيه من العشرين"، أرد "تلات سنين بين حاجات مختلفة"، ويردف "أنا مش هاقولك عمرى بس ممكن أقولك أنا اشتغلت كام سنة وبرضو حاجات مختلفة، أنا اشتغلت ستين سنة "فلم أستطع أن أخفى دهشتى من عدد السنين التى أتمنى أن أحياها لا أن تكون سنوات عملى وقد لاحظ دهشتى واستمر ضاحكا، إيه كتير؟، ممكن بس كل اللى عايز أقولهولك أن الشقى ده زى الرزق كده، آه ربنا مش بيحب يشوف حد فينا تعبان لكن لازم برضو يدينا دروس ويشوف المعادن بتاعتنا ولا الطرى زى الناشف يا بن الناس". أخرجت كلمات محاولا أن أطيل الحديث "بس مش كل الناس بتشوف الشقى، فى ناس حياتها مرتاحة ومخدوش نصيبهم"، مبتسما كعادته يكمل "العشرين سنة بتوعك محتاجين عليهم شوية كمان وشوية صبر عشان تشوف كويس، ربنا عادل وهيشوفوا لازم عشان الدنيا تتساوى، بس سيبك أنت مهتم باللى شاف واللى ما شافش ليه؟"، أرد "بصراحة نفسى ماخدش نصيبى من الشقى بتاعكم ده"، ضحك حتى سعل "وتعيش كده لا نكد ولا قرف ولا أى حاجة زى الراجل الممثل التخين ده لما بيقول شولليطى مولليطى، يا بنى ادعى ربنا أنه يكون حنين عليك ويخلى شقاك هين تعرف تدوس عليه وتكمل، "وجذبنى الفضول لأسأله "شقاك كان هين؟"، رد كعادته "شقايا كان على قد شغلى وتحملى ومتأكد بعد كل السنين دى أنى لما أقابل ربنا مش هاسأله غير كنت كويس أنا فى الدنيا دى ولا لأ. على العموم أنا أحبلك الخير مع إنى ماعرفكش بس شكلك عيل جدع، إلا صحيح اسمك ايه؟"، "محمد"، آخر ابتسامة رأيتها منه قبل نزوله من القطار "وأنا كمان محمد، ياريت كل محمد ميكونش مصروفلهم شقى واحد ولو حتى أنا عارف إنك هتكون كويس، أنا هانزل سلام يابنى"، ترك القطار وتركنى لأفكار تتقاذفنى حتى اليوم لا أعلم ما على فعله، كل ما أعلمه أنه مهما كان القادم فما على سوى أن أتعامل معه بل وأحسن التصرف أيضا .



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;