أحببت اليوم أن تكون مقالتى عبارة عن قصة أسردها لنتعلم منها الكثير، تحمل فى جعبتها الكثير من المعانى الرائعة، وتحمل بين طياتها دروسا فى غاية الأهمية سنحاول استخلاصها بعد أن أصل إلى نهايتها.
كان هناك لاعب سيرك شهير يسمى "تينو واليندا"، من أسرة كانت تمارس لعبة السير على الحبال أبا عن جد منذ قرن من الزمان، فقام أحدهم بسؤاله ذات مرة كيف تبقى ثابتا ومتوازنا على الحبل ولا تسقط ؟ فأجاب: فى الحقيقة أنا لاأكون ثابتا ومتوازنا على الحبل أبدا، بل أنا فى اهتزاز دائم، لكننى أقوم بتعديل وضعيتى طوال الوقت حتى لا أسقط، وذلك بحركات فى كل الاتجاهات. ان الثبات على الحبل يعنى فى الحقيقة "السقوط". إجابة واليندا جعلتنى أقف متأملة روعة ما قاله، وأعكس الأمر على الحياة عموما، فحياة الإنسان مهما كان منظما ومرتبا ودقيقا، لا يمكن أن تكون متزنة تماما، بل هى فى الحقيقة مليئة بالاهتزازات، تماما كإهتزازات لاعب السيرك الواقف على الحبل، وذلك لأنه مهما ظن الانسان انه مسيطر على مجريات حياته، فستظل أمور كثيرة خارجة عن إرادته بطبيعة الحال، ولا يمكن له ان يسيطر على مفاجآت الزمان ولا على تقلب صروفه، ولا يمكن له كذلك ان يضمن انضباط واتزان الناس من حوله ممن لا يمكنه الا ان يتعامل معهم، وان يتقاطع دربه مع دروبهم، فالإنسان لا يمكن له ان ييقن أن أمور حياته تحت يديه، وانه مسيطر عليها تمام السيطرة، بل لا يجب حتى ان يحاول السعى إلى جعلها كذلك، لأنه سيخالف بذلك سنة الأشياء التى أجراها الله سبحانه وتعالى، ولن يفلح فى ذلك أبدا. بل ان ما يجب عليه فعله هو ان يبذل جهده بالقدر الممكن والمعقول فى الوقت نفسه، أى بلا إفراط ولا تفريط ليضبط أمور حياته، وهكذا تستمر الحياة بهذه الحركات المستمرة من اعادة الضبط والتوازن. فى الحقيقة ان هذا الأمر فى غاية الأهمية، لأن من يغفل عن هذه الأمور لفترة طويلة سيجد ان الامور التى خرجت عن مسارات الاتزان قد انحرفت بعيدا جدا مما سيتطلب منه جهد عظيم لإصلاحها وإعادتها كما كانت.
هذه الحركة المستمرة لاستعادة التوازن يجب ان تسرى على كل مناحى الحياة، سواء فى البيت، العمل أو فى الحياة الاجتماعية بشكل عام، ومن الناحية الفلسفية، فإن حلاوة الحياة وإثارتها، تكون فى الحقيقة بهذا " اللا اتزان" فالثبات تماما كما قال لاعب السيرك واليندا، يعنى السقوط، وهو فى حياة الانسان الموت، لكن هذه الاهتزازات الحياتية المستمرة هى ما يدفع الانسان إلى الحركة الدءوبة، التى لولاها لظل الانسان قابعا فى مكانه دون أن يتقدم أى خطوة، وهى الوقود الذى يؤدى دائما للسعى والتعديل والبناء والتحصيل.فلولا وجود هذه الاهتزازات فى كافة مجالات الحياة ايا كانت، لم نكن ما نحن عليه من القوة والخبرة التى نكتسبها بعد كل اهتزاز فى حياتنا، مما يؤهلنا للتعامل مع كل الاهتزازات المستقبلية بنجاح، نتيجة ما اكتسبناه من خبرة من الاهتزازات السابقة. فكن شاكرا دائما لكل اهتزاز يمر عليك، بل وحاول دائما الانتصار عليه والخروج بأقل الخسائر. لا تحلم بالمثالية، لأنك حينها ستقرر ان تعيش عمرك على امل تحقيق حلم صعب المنال. ان كل ماعليك فعله حقا هو تعلم فن السيرعلى الحبال !