هناك حقيقة يهرب منها كثيرون رغم اليقين منها، أن كل لحظة نعيشها تسجل علينا بأكثر من طريقة، تعيها الذاكرة ويحتفظ بها القلب وتكتب منها الملائكة نسخة تظهر يوم الحساب.
فبكل بساطة ووضوح، لا شىء يذهب إلى اللا شىء، كل شىء فى ملك الله محسوب بحسبان لا يضيع أبداً، وحلم الشيطان الذى يسعى لتحقيقه مع كل إنسان أن يتحكم فى تلك المسألة، فيجعله يتذكر الدنيا وينسى الآخرة، ويتذكر حلاوة المعصية وينسى شقائها الدائم الذى يليها، ويتذكر متاعب الطاعة وينسى حلاوتها الدائمة بعد ذلك، ويتذكر ما تشتهيه نفسه ليسعى لإشباعها بلا نهاية، وينسى أوامر ربه له بأن طاعة الشهوات لا تثمن ولا تغنى من جوع، ولكن يسير الإنسان فى طريق إشباع شهواته حتى هلاكه دون تحقيق لتلبيتها .
ونعود لقضية معرفة أسرار الذاكرة، والبداية الا ينسى الإنسان نفسه، وأن يتذكرها دائماً ويذكرها بكل نافع لها، وأن تكون هناك ثقة بأن الله يملك مفاتيح الغيب وما تخفى الصدور، وأن لكل شىء عنده دواء، فلا نسيان الإنسان لنفسه داء بلا دواء، ولا تحديه ليصل لحقه فى الحياة هو صراع بلا نهاية، كلا .. إن معه ربه قادر على تحقيق ذلك من أقصر الطرق، ولكن كل شىء عنده بميعاد.
والبداية هى تحويل كل ملاحظات الحياة إلى لغة يفهمها عقلك، وكلمة سر تملك وحدك مفاتيحها، فلكل إنسان لغته الخاصة، الخاصة جداً، وعلى ذلك، فأول طريق التذكر هو إدراك استقلال الإنسان بلغته الخاصة عن كل اللغات، لغة لها مفرداتها الخاصة وعلاماتها، وبعد تحويل ملاحظات الواقع إلى لغة العقل، يعمل الإنسان على تدريب الفعل على الأوامر الجديدة، وتلك هى مرحلة التعود على الجديد، حينها، يمكن أن يتحول الجاهل إلى متعلم، والعاجز إلى مارد يحقق ما أراد.
هناك آفتان بتلك المسألة، التسرع، بحيث يتسرع الإنسان فى خطواته فلا يتقنها ولا تنتج آثارها، وثانيها، الغرور، حيث يظن الإنسان أنه حقق إنجازه بشكل يتوقف معه عن استمرار المعلومة داخل منظومة أفعاله، فلا داعى للتسرع لا فى خطوات الحفظ ولا فى الفرحة بما حفظت، فالحفظ الحقيقى يحتاج إلى مداومة حقيقية لا تنتهى أبداً بل ترتقى إلى مستويات أعلى إلى ما لا نهاية.