عندما يبدأ العد التنازلى لموعد السفر وقبل انتهاء الإجازة بعدة أيام يكون المغترب فى حالة لا يعلمها إلا من جرب السفر، فيكون مش طايق العيشة واللى عايشينها ولا طايق نفسه وتزداد عصبيته وتوتره، كثير التفكير، شارد الذهن، فما أصعب الافتراق عن الأهل والوطن، خاصة إذا كان الغياب سيطول لشهور أو سنوات حسب ظروف العمل، وما أصعب الإجابة عن سؤال طفلك عندما يسألك هتسافر ليه يا بابا؟! وما أصعب لحظة إمساك ابنك أو ابنتك بأطراف ملابسك ويقول لك خليك معانا وبلاش تسافر!! وما أصعب النظر عندما ترى دموع أمك وأبيك أو زوجتك قبل السفر!! وهل يا ترى ستراهم مرة أخرى أم هى نظرة الوداع؟! الله أعلم.
نعم تحاول قدر الإمكان إخفاء مشاعرك وتمالك أعصابك والتظاهر بالقوة، ولكن كل ذلك تفضحه دموع عينيك وحشرجة صوتك كلما نظرت لوجه طفلك الذى ستفارقه بعد ساعات !!
ثم تأتى لحظة ما أصعبها وهى لحظة الوداع قبل السفر، ويحين وقت حمل شنطة السفر، وشتان بين اللحظتين الأولى وأنت ترتب شنطتك سعيدا بقرب عودتك والثانية قبل سفرك!
إنها نفس الشنطة ولكن اختلف ما فيها، فيوم العودة ترتب هدايا الأهل والأحباب التى غالبا لا تعجب أصحابها لاختلاف الأذواق أو طمعا فى المزيد، وهم لا يعرفون كيف وضعت القرش على القرش لكى تلبى طلباتهم وتحاول إسعادهم، وربما تكون مستلف لثمنها !!
إنها لحظات صعبة يعيشها ويعانى منها المغترب وأهل بيته الذين سيفارقهم لا تعادلها أموالا ولا هدايا ولا شىء فى الدنيا يمكنه أن يعوض لحظة فراق الأحباب !!
أقول ذلك بمناسبة من ينظرون إليهم نظرة الجشع والطمع والحقد والكراهية ويشككون فيهم، وكأنهم هربوا من بلدهم، فهم لا يعلمون قدر حب المغترب لتراب مصر وما شعوره عندما يذكر اسمها، أنه أضعاف مضاعفة يزداد شوقه وحنينه قبل أن تقلع به الطائرة، يعد الأيام والليالى، بل يعد الساعات والدقائق واللحظات، وقالوا أيه اللى رماك على المر فيقول اللى أمر منه !!
أما الحالة المادية للمغترب فليست كما يعتقد البعض أنهم مليونيرات، فالمرتبات تختلف من دولة إلى أخرى، ومن مهنة لمهنة ومن مكان لمكان وهناك تفاوت كبير فى المرتبات ومستوى المعيشة والأسعار فى الغربة كذلك تختلف كثيراً عن مثيلاتها فى مصر، وكم من مغترب لم ينزل إجازته لأنه لم يجد ثمن تذكرة الطائرة!! أو لأن عليه ديون لم يسددها!! أو أنه يجلس بلا عمل منذ شهور!! أو لمرض يخفيه عن أهله حتى لا يشغلهم !! أو مسجون على ذمة قضية ولا يريد لأهله أن يعلمون ... إلخ !!
فرفقاً بمن تركوا بلادهم وأهلهم مضطرين ليوفروا حياة كريمة لهم ولأسرتهم وليوفروا وظيفة لأشقاءهم فى الداخل ولمن يوفروا على الدولة إستهلاكهم من مأكل وملبس وخلافه، وتستفيد الدولة بما يحولونه من دولارات تأتى فى المرتبة الأولى من دخل البلاد من العملة الصعبة !!
وكفانا مزايدات ومهاترات تأتى للأسف من المليونيرات الذين لم يقدموا لمصر سوى العبارات الرنانة التى لا تسمن ولا تغن من جوع !!
اللهم أنعم على مصرنا الحبيبة بالأمن والأمان والاستقرار والرخاء وانتقم من كل من أراد بها سوءً.