لا يمر يوم دون أن تخبرنا صفحات الحوادث ومحاكم الأسرة عن سيدة تشتكى من تغافل زوجها اللفتات البسيطة التى تسعد المرأة بالرغم من تمتعها معه بنعم أخرى كثيرة، إلا أن الفراغ الذى تعيشه لتغيبه لأوقات كثيرة عن بيته بحثا عن العيش الكريم لأسرته – مضحيا هو الآخر براحته ومتعته - دفعها إلى التمحور حول ذاتها والتفكير فى ملاذها الشخصية والبحث عن التفاهات لتصنع من حبيباتها قباباً تنهدم فى الأخير لتقوض سعادة أسرية نادرة.
وسيدة أخرى تتنكر لزوجها بعد خسارته المالية وترفض مساعدته بل وتطلب الطلاق لتتزوج من آخر ينصب عليها ويستولى على مالها الذى هو تعب وشقاء الزوج الأول الذى بطرت نعمته وتخلت عنه فى وقت كان فى مسيس الحاجة إليها ..أو ذلك الزوج الذى قرر الزواج بثانية بعد استئصال ثدى زوجته وأم أطفاله فتنكر لكل السنوات التى مرت عليهما بحلوها ومرها وأصبح لا يرى فيها إلا ما ينفره منها فأخذها لحما ورماها عظاما دون أن يعوضها عن استئصال أنوثتها بإخماد ثورات براكين شهواته الجسدية وإضاءة أنوار متعة قلبه برسم البسمة على شفاه رفيقة عمره.
وأنا ككثيرين غيرى أتعجب لهذه الأمور وأحتار فى تفسيرها، إلا أنى تأملت تقسيم العلماء لنعم الله فوجدتها نعماً حاصلة يعلمها العبد ونعماً منتظرة يرجوها ونعماً هو فيها ولا يشعر بها، فإذا أراد الله إتمام نعمته على عبده عرّفه النعمة الحاضرة وأعطاه من شكره قيداً يقيدها به حتى لا تشرد، ووفقه إلى عمل يستجلب به النعمة المنتظرة، وعرفه النعمة التى هو فيها . وعلى هذا يمكننا تلخيص الاسباب التى تجعل الإنسان يغفل عن النعم التى يتمتع بها ويجرى وراء سراب قد يقوده إلى الشقاء فى النقطتين التاليتين:
1 - عدم الرضا والذى من أعظم أسباب حصوله أن لا يلتزم العبد بما جعل الله رضاه فيه، وحتى يكون الإنسان راضيا على الحقيقة يجب عليه أن يقول ما قاله يحيى بن معاذ: يا رب إن أعطيتنى قبلت، وإن منعتنى رضيت، وإن تركتنى عبدت، وإن دعوتنى أجبت.
2 - عدم تفعيل خلق الإيثار بدرجاته التى يجب أن يعرفها كل إنسان، وهى أولا إيثار رضى الله على رضى الخلق، وثانيا إيثار الغير على النفس وأقرب هؤلاء الأغيار إلى النفس لا شك الزوجة أو الزوج والأولاد وباقى الأهل.
وجاء فى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى، أن من آداب العشرة أن لا تتفاخر الزوجة على الزوج بمالها أو بجمالها أو علمها، وأن لا تزدرى زوجها لقبحه (فما بالك لخرسه العاطفى، أو تنكر الدنيا له وخسارته لماله)، فقد روى أن الأصمعى قال: "دخلت البادية فإذا أنا بامرأة من أحسن الناس وجها تحت رجل من أقبح الناس وجها فقلت لها يا هذه أترضين لنفسك أن تكونى تحت مثله؟؟ فقالت: يا هذا أسكت فقد أسأت فى قولك ... لعله أحسن فيما بينه وبين خالقه فجعلنى ثوابه، أو لعلى أسأت فيما بينى وبين خالقى فجعله عقوبتى أفلا أرضى بما رضيه الله لى؟" فأسكتتنى.
وما يقال للمرأة هو نفسه ما يجب أن يقال للرجل، هذا إن أردنا الإنصاف وتفعيل فضيلتى الرضا والإيثار لحل المشاكل الزوجية بما يخدم استمرارية العشرة والاستقرار النفسى للنشء .