يقف صامتا أمام صورة معلقة تخلو من البشر، مجرد صورة لأرضية مكان ما.
يقف أمامها بالساعات وكأنه راهب يؤدى صلاته بخشوع، سنوات وسنوات تمر وهو لا يخلف طقوسه ولا يخلف موعده مع الصورة . كل من يعرفه يجهل السر وراء هذه الصورة التى لا تظهر شيئا غير هذه الأرضية .
حاول الجميع معرفة سرها دون جدوى . يقف خلفها وكأن روحه مسلوبة منه وتسكن هذه الصورة، أو كأنها تحتوى شخصا لا يراه إلا هو .
واليوم جاء موعده مع الصورة، لكنه أطال الوقوف أمامها، وقف ونظره لا يلتفت عنها، أخذه خياله إلى الماضى، فاليوم ذكرى التقاطها، وجد نفسه مع حبيبته وهى تطلب منه أن يتركها لكى ترحل فلم يعد بدٌ من الرحيل . قال لها أن كنتِ راحلة فأريد منكِ صورة تذكرنى بكِ، فقالت له : ليس من حقى أن أعطيكَ هذا، فقال لها : فلتقفى هنا للحظات . ثم طلب منها أن تتحرك من مكانها، وقام بتصوير مكان وقوفها .
ومنذ هذه اللحظة وكلما شاهد هذه الصورة الخالية للجميع، يرى حبيبته التى لا يراها غيره، يراها وحده دون كل البشر، هل خياله هو الذى يرسم له صورتها، أم أن روح الحبيبة تسكنها بعد أن تركها الجسد، إنها صورة روح بلا جسد، روح لا يراها إلا هو .