لقد كبرنا يا أمى و.....، لقد تم تداول هذه العبارة كثيرًا على مواقع التواصل الاجتماعى فى الآونة الأخيرة، فبعض الأشخاص عبروا بتلك العبارة عن مدى قسوة الحياة وفهمهم السطحى لها بعد عدد من التجارب السيئة لهم، ولكن حقيقة أننا كبرنا أدركتها جيدًا عندما وجدت نفسى وكثيرًا من أبناء جيلى والأجيال السابقة قد تخطينا العشرين من العمر ولا نزال نبحث عن موهبتنا، لانزال نبحث عن ما نحبه وما نستطيع الإبداع فيه.
لقد كبرنا فعلًا للتحدث عن تلك الأمور التى كانت يجب أن يُحسم أمرها منذ نعومة أظافرنا، ولكن ماالذى منعنا من ذلك، وماسبب وصولنا لتلك المرحلة العمرية ونحن فى بدايات طريقنا الإبداعى ؟.
بحثت كثيرًا وتساءلت، ووجدت أن أحد تلك الأسباب هى أسرتنا الصغيرة المتمثلة فى الأب والأم، لا أتحدث هنا عن تربيتهم لنا أو شىء من هذا القبيل، فنحن نعلم جميعًا أنهم قدموا لنا كل ما يمتلكون من الناحية المادية والعاطفية، ولكن ألوم بعضًا منهم عن قناعتهم التامة بأن تلك الأمور فقط تصنع منا أشخاص جيدين، وللأسف لم يسأل أحدًا منهم ماذا نحب، وماالذى نبرع فيه، وماهى موهبتنا لكى نقدمها فى هيئة إنجاز للبشرية.
فمرت بنا السنوات ونحن متخبطين بين ما نحب أن نفعله وما هو مفروضٌ علينا، لدرجة قد تصل إلى عند سؤالك لشخص ما تخطى الثلاثين من عمره عن موهبته وفى أى مجال يُبدع، تجد الإجابة لاشىء، وبالتالى تنتقل اللاشىء تلك منه إلى أبنائه وتصبح تلك الكلمة اللعينة أسلوب حياة لأجيال كثيرة متتابعة، ويصبح كل منهم شابًا يافعًا جاهل بما وهبه الله من عطايا ومنح قد تُغير العالم من حوله.
وعلى الجانب الآخر البعيد من ذلك النموذج، نجد بعض الآباء والأمهات يكرسون كل حياتهم لإظهار مواهب أبنائهم للعالم بعد متابعتهم الجيدة لتلك الأرواح الطيبة، وتراهم كحواس لأبنائهم الصغار فى كل خطوة فنجدهم كأرجلهم التى تسوقهم لبداية الطريق لإبراز مواهبهم، تجدهم كأعينهم التى تنظر لكل ماهو صالح لهم، تجدهم كعقلهم الذى يختار القرار السليم الذى يساعدهم فى رحلتهم الإبداعية تلك، ولعل برنامج the voice kids- اتقفنا أو اختلفنا على فكرة البرنامج- مثالًا حيًا على ما أقوله، نشاهد تدعيم الأسرة ومشاركتهم الوجدانية والعقلية لذلك الطفل، وأن منهم من قد تتغير حياته للأبد، وذلك بسبب إحياء تلك النبتة الصغيرة من قِبل ذويهم.
فلكل من حالفه الحظ ليكون مدركًا بمواهبه منذ الصغر ولكل من لم يحظ بتلك الفرصة، أبناؤكم صورة مصغرة منكم، فابحثوا وفتشوا عن تلك الدرر البهية ولا تتركوا الصدفة والزمن يتلاعب بهم، فالخالق حكمته فى عطاياه تكمن فى نجاحنا للوصول لتلك العطايا وإدراكها وقضاء حياتنا تلك فى تطويرها وتشكيلها لخدمة البشر أجمع.