خرج من بيته مبكرا لكى يجلس خلف عجلة القيادة لسيارته الأجرة والتى تعرف بالتاكسى، التزامات كثيرة تثقل كاهله، الأقساط الخاصة بالسيارة، واحتياجات البيت، وأخيرا المال اللازم للعملية الجراحية الخاصة بنجله الصغير، أدار مفتاح السيارة وكأنه أدار مفتاح حياة شاقة، من مكان لمكان، وبراكب وحيد مرة، أو أسرة كاملة مرة أخرى، لا يملك رفاهية الرفض، ساعات تمر تأخذه سيارته والزبائن من مكان لمكان، وتأخذه أفكاره بين أعباءه الكثيرة، شارد الذهن، لا يكلم الزبائن إلا عندما يسألهم عن وجهتهم، وعندما يجيبهم عن تكلفة الرحلة، الوقت يمر ثقيلا، وبعد نزول كل زبون يحسب العدد التى وصلت إليه النقود فى جيبه، ثم يشرد ثانية وهو خلف المقود .
الساعة تقترب من العاشرة مساء، ثلاثة شبان يشيرون للسيارة يطلبون توصيلهم إلى المستشفى لأن أحد أقاربهم أصيب فى حادثة وتم نقله هناك، فى الطريق يطلبون منه الإسراع حتى يلحقوا بقريبهم، وكل دقيقة يتصل أحدهم بالهاتف ليطمئن على قريبه بالمستشفى، ويقول لمحدثه لقد قاربنا على الوصول لكم نحن فى المكان كذا، كل دقيقة يجرون نفس الاتصال . وفى طريق خاوى وجد السائق شيئا ما يعيق الطريق فتوقف ليستبين الأمر، فجأة وجد أحد الشباب أخرج مسدسا وأشهره فى وجهه، طلب منه النزول من السيارة وأن يخرج ما فى جيبه من نقود، فى هذه اللحظة مرت بالسائق كل معاناته ومدى احتياجه للمال، وابنه الصغير الذى يحارب الموت على سريره، وكيف أن السيارة مصدر دخله الوحيد، فكر كثيرا وأيقن أنه لو ترك لهم السيارة ستنتهى حياته وحياة من يعول، قرر عدم الاستسلام ورفض الانصياع لهم ، وبعد عراك بينهم أطلق الشاب رصاصة استقرت فى رأس السائق وأودت بحياته فى الحال، أخذوا ما فى جيبه من النقود والسيارة بعدما ألقوه جثة هامدة على جانب الطريق .
فى الصباح نشرت الجريدة اليومية خبرا تحت عنوان حادثة قتل .
لقد تحولت حياته ومعاناته وقتله إلى عنوان فى الصحيفة مجرد حادثة قتل .