التعليم والتعلم هو وسيلة الإنسان لتحقيق مقصد الوجود الإنسانى وهو الاستخلاف فى الأرض وإعمارها ، فبالعلم ترقى الشعوب وتحقق غاياتها وتبنى حاضرها ومستقبلها.
ولعل توفير التعليم وإنشاء المؤسسات التعليمية هى من حقوق المواطنة الواجبة والتى تلتزم الدولة دستورياً على توفيرها بالقدر والجودة الكافية لتحقيق نهضة المجتمع ورقى أفراده، والمؤسسات التعليمية سواء أكانت العامة الحكومية أم الدينية الأزهرية هى رافد وشريان الخدمة التعليمية لسواد الأعظم من الشعب المصرى الذى لا يمتلك المقدرة المادية على الالتحاق بالتعليم الخاص فيلجأ للتعليم العام والأزهرى.
وقرية الشواولة هى إحدى قرى محافظة سوهاج يقطنها حوالى عشرة آلاف مواطن يطمحون لتثقيف وتربية أبنائهم وتعليمهم، يوجد بها مدرستين للمرحلة الابتدائية ومدرسة للمرحلة الإعدادية ومدرسة للمرحلة الثانوية، لكن نسبة كبيرة من أطفالها ترنو للالتحاق بالتعليم الأزهرى لاعتبارات مجتمعية وسعياً لتنشئة دينية وعلمية ، ورغم المستوى المحدود من الدخل ينتقل الأطفال طوال العام متحملين للمشاق الجسدية والمعاناة المناخية شتاءً وصيفاً والمخاطر فى التنقل إلى القرى المجاورة للالتحاق بمعاهدها الأزهرية .
وبعد جهد جهيد تحقق حُلم السنين فى أن يكون للقرية ولو على الأقل معهداً أزهرياً ابتدائياً يخفف على الأطفال صعاب ومشاق التنقل بين القرى وتم تخصيص قطعة أرض داخل حيز القرية لبناء معهد أزهرى ، وبالفعل بدأ العمل فى إنشائه واستمرت رحلة العمل لسنوات كانت تصل فيها الدفعات المالية للصرف على الإنشاء تباعاً وتم إنجاز 90% من المبنى وتكلف ما يزيد عن المليون والنصف من الجنيهات من الميزانية المصرية، وبعدما بدأ الحلم يقترب من التحقق إذا بثورة 25 من يناير 2011 تقوم وبعدها يتوقف الصرف على البناء وللعجب أن هذا تم قبل وصول الدفعة الأخيرة من الميزانية المخصصة وبعد إكمال أربعة طوابق هى كامل الهيكل المخطط للمبنى ولم يتبق إلا التجهيزات والتشطيبات النهائية والتى لن تتكلف أكثر من مئتى ألف جنية فقط .
ورغم كل التحركات والمناشدات فلم يتحرك أحد لا من المنطقة الأزهرية بسوهاج ولا من مشيخة الأزهر فى القاهرة . وبذلك أصبح الحلم رويداً رويداً يتسرب من مخيلة أبناء القرية وتستمر المعاناة سنوات وسنوات جديدة يكابد فيها الأطفال الصغار مشاق التنقل ومخاطر الانتقال إلى القرى الأخرى فى حين أن قرار إدارى بتخصيص مبلغ صغير لا يكلف الدولة كثيراً سيحل مشكلة ويعيد الراحة لعشرات الأطفال والطمأنينة لعشرات الأسر .
إن حال المعهد يفضح البيروقراطية الإدارية والخوف والارتعاش لدى المسؤول الحكومى فى اتخاذ القرار يضيع يوماً بعد يوم ألاف الجنيهات صرفت على مبنى انجز منه القسم الأغلب ولم يتبقى منه إلا التجهيزات البسيطة.
إننا نتوجه إلى مقام الإمام الأكبر شيخ الجامع الأزهر أن ينظر بعين الرأفة والأبوة لعشرات الأطفال الصغار الذين يعانون يومياً فى طلب العلم بأن يفتح لهم أبواب الراحة وأن يحنو عليهم ويفسح لهم مجال العلم القريب من مساكنهم وينقذ أرواح ودماء ربما تكون ضحية حوادث الطرق . نرجو من مقام المشيخة أن تُعمل قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إن لله تعالى عباداً اختصهم بحوائج الناس , يفزع الناس إليهم فى حوائجهم , أولئك هم الآمنون من عذاب الله).