فى عام 1928 أعلن الكسندر فيلمنج عن اكتشافه البنسلين، وبعد جهود لاحقة تم على إثرها صياغة وسك مصطلح "المضادات الحيوية" على يد سلمان واكسان عام 1942 واصفًا أية مادة تنتجها كائنات حية دقيقة تواجه نمو الكائنات الدقيقة الأخرى فى وسط مُخفف (مادة كيميائية/ بيولوجية أقل تركيزًا).
وفى محاولة حثيثة لتوضيح وتشريح مفهوم المضاد الحيوى على نطاق أوسع يتعدى المفهوم البيولوجى الضيق؛ بُغية اسقاط المفهوم على أُطر وقوالب سياسية واجتماعية واقتصادية.
فمن منا لم يُصب بنزلة برد وما يصحبها من أعراض مثل ارتفاع درجة الحرارة ورشح الأنف ...الخ، ونسبة من المصابين يذهبوا للطبيب فيصف لهم مجموعة من الأدوية مثل موسعات الشعب الهوائية، ومضادات حيوية بجرعات متفاوته حسب الحالة، استنادًا على معرفة تاريخه المرضى.
والمضاد الحيوى الذى ينتمى لعوالم ثلاث (الأفكار والأشخاص والأشياء) ويتفاعل مع شبكة العلاقات الاجتماعية، يمكننى تسميته مضاد حيوى اجتماعى، فالفكرة الايجابية التى يحملها نوعيه من الأشخاص – أنعم الله عليهم - يمكن أن تلعب دور المضاد الحيوى بتطهير المجتمع من أمراضه، إذًا فالفكرة هى المنوط بها فى الأساس لعب هذا الدور، أما الشخص (الخام) إذا رغب القيام بهذا الدور فعليه أولاً أن يكون محملًا بأفكار تجعله أهلًا للقيام بهذا الدور...إذا فمبتدأنا وخبرنا ومحور اهتمامنا...الفكرة ومجالها الحيوى والمغناطيسى الجاذب لأشباهها من الأفكار؛ لخلق نسيج كثيف الأفكار ( أفقيا) أو فكرة كثيفة النسيج (رأسيًا).
والسؤال المحورى بعد التمهيد السابق...هل نسمح – كمجتمع وأفراد - لمن يقومون بدور المضاد الحيوى فى مجتمعاتنا بالقيام بدورهم وتطهير الجسم المجتمعى من الجراثيم والميكروبات والبكتريا الاجتماعية المتطفله عليه؟، والتى تخصم من فاعليه وتأثير المجتمع و شبكة علاقاته داخليًا (مع نفسه) وخارجيًا مع (مجتمعات أخرى).
ويعتبر المثال الصارخ والأكثر تعبيرًا عن الفوضى فى استعمال المضادات الحيوية فى نطاقها البيولوجى (من الصيدلية) بلا ضابط علمى – بدون روشته - هل هذا يعكس وبجلاء جهلنا باستخدامها؟ وما علاقة هذا السلوك بفوضى الحلول لمشاكلنا؟ مما يمكننى وصف تداخل الحلول بالتداخل الدوائى؛ حال استخدام مواد كيميائية تسبب تسمم، وفى حالة الحلول تسبب شلل لأفكارنا وهو ما حدث ويحدث وسيحدث فى ظل استمرار منهج الكوبرى الذى يتجاوز المشكلة بالعبور عليها ولا يواجهها...الأمل فى تغيير المنهج وليس الأشخاص.
لماذا أغلب مشاكلنا نحلها نصف حل؟ 50% من الحل لا يُجدى فهو يساوى لا حل ؛ لأن الحلول أشبه بجرعة الدواء .. كل حبة دواء لها توقيت ويلزم لفاعلية هذا الدواء أخذ عدد معين من الحبات فى أوقات محددة مع مراعاة تفاصيل عدة أهمها هل يوجد دواء آخر يؤخذ معه متزامنًا – حلول متوازية – أم بعدة بتوقيت معين – حلول متوالية – وعلاقة أنواع الدواء ببعضها وهل يؤثرون على فاعليتهم وتأثيرهم ( هل يخصم أحدهم من رصيد الآخر فى الفاعلية والتأثير والأمان)، وهذا، يذكرنا بالطبع فى سياقه المجتمعى بموظف يكرر عمل زميله الذى سبق وقام به وبنفس الأخطاء؟! من قبل واستهلك فيه موارد عدة، لما قد يُشعرك أن الموظف يقوم بعمله تقريبًا فى السر بعيدا عن زملاؤه ولا عزاء لفريق العمل؛ بما يفقد الجميع رؤية الهدف، وقد يكون زميلين متجاوران فى مكان عملهم وكل منهما مُكلف من نفس المدير بنفس العمل، لا لإدراك المدير باختبار أداء كل منهما بنفس أداة القياس ( المهمة المكلفين بها )، بل لأن المدير وليد الصدفة فى الأغلب نسى أو لا يعلم أنه أعطى الشخصين نفس المهمة، هذا نمط من منهجية العمل، بينما النمط الآخر فتكليف المدير أى شخص للقيام بأى عمل دونما تفكير فى قدرات ومواهب كل شخص، على فكرة سيدى المدير فى حاجة اسمها فروق فردية، وهى صانعة الفرق فعلًا...إذا وقعت فى دائرة إدراكنا...هل تدرك؟!.
وقد يكون للمضادات الحيوية نطاق تأثير وفعالية ومدى زمنى فمثلًا: المضاد الحيوى الذى يعالج التهاب بالكُلى غير الذى يعالج مرض بالمعدة فكل عضو له ظروفه وجرعته وتدخله بناء على معايير عدة.
ولا يوجد مضاد حيوى يؤخذ لكل الأمراض ولكل الأشخاص وفى كل الأوقات بنفس الجرعة، وهكذا الحلول التى تكون صالحة لمجتمع غربى لا تكون فعالة فى مجتمع شرقى (قضية الدعم خير مثال)...فالحلول الكاملة (المغلفة والمغلقة) غير قابلة للاستيراد بمنطق العقلاء الراشدين...إنما يتم تصنيعها محليًا؛ لضمان جدواها والتأكد من مدخلاتها ومخرجاتها الـ Know How . فأكثر الأفكار عالمية هى بالقطع أكثرها محلية.
ووجود المضادات الحيوية بكثرة واستخدامها بكثافة فى حياتنا سلاح ذو حدين ...ويمثل مؤشر خطر يؤكد على فوضى فى الحلول والضبابية " الجميع يفتى"، أما حال ندرتها فى شكلها الاجتماعى يؤكد أيضًا على عدم قدرتنا على حل مشاكلنا حل كامل إنما نصف حل، ماهذه الحيره! ...الحل فى رأيى يكمن فى تحديد الجرعة من قِبل من يدرك وجود حبة الرمل ( المشكلة) فى حياتنا ليس فقط إدراكها ...بل ادراكها وهى ساكنة قبل أن تتحرك لتبنى جبلًا ...لماذا وهى ساكنة؟ لأن إصابة هدف يتحرك أصعب بكثير من كونه ساكنًا ...من يدرك السكون وهو لا يلفت انتباه إلا القلة المُنتَقاه؟ ...لأنه ببساطة سكون!
وحبة الرمل تلك يمكنها أن تستقر فى محرك عملاق لاحدى السفن وبالأخص فى جزء شديد الدقة والحساسية، فتُعطله وتفقده فاعليته، وقد يكون عدم استخدام خيالنا وجعله طاقة معطلة أو كتلة مهملة بأن حبة الرمل تلك يمكنها افقاد ذاك المحرك الكبير الضخم فاعليته بعدم ادراكنا لها كمًا (كمادة ملموسة) ...فلا نضعها ضمن نطاق الحلول التى نستهدفها، فلا نستطيع أن نحل أبدًا المشكلة والحل تحت أرجلنا وبين أيدينا ... عدم إدراكنا حبة الرمل يكلفنا كثيرا يا سادة !
حبة الرمل تلك ممكن أن يقوم بدورها شخص لايؤدى عمله فى منظومة مهترئه فاشلة، وبما أن المنظومة المعنية غير خاضعة لأدوات قياس ومتابعة أداء فعلية، بل هى ورقية الأصل والمنشأ، فلا يتم اقران الفشل لذاك المتسبب فعلًا فى الفشل - الموظف سابقا - وحبة الرمل حاليًا التى أفسدت العمل كله. حبة الرمل تلك نتركها تتكاثر وبائيًا بلا قيود مكوّنة جبل من الحصى غير قابل للنسف إلا بنفس البطىء الذى تم بنائه به حبه حبه ... ببطىء وخبث شديدين، فالوقت هنا حتمًا فى صالح حبة الرمل ( المشكلة ) وليس فى صالح القائمين على الحل...لأن حبة الرمل منهجها عشوائى غير خطى صعب التنبؤ به، فى حين أن القائمين على الحل يظلوا أسرى الأنظمة والخطوط المستقيمة واتباع الأوامر الهابطة من سماء مديريهم الذين يشبهون حبة الرمل السابقة من حيث وظيفتها ومنهجها.
وبيئة المضادات الحيوية أشبه بمعادلة كثيرة الحدود...فهل ندرك أغلب الحدود؟ ...لأن مناط الحل أن نعرف عن المشكلة أكثر مما نجهل وإلا فلا حل.
وأخيرًا...لا تسمحوا لحبة الرمل الوجود فى حياتكم...حبة الرمل أيضًا ممكن أن تكون شخص مُحبِط وبالضرورة مُحبَط ومتشائم أو فكرة مُنغصه أو قرار يستدعى ويسترعى الندم أو ذنب مؤرِق أو أسرة مفككة...أو أى شىء يمنعك من تحقيق أهدافك والعيش بفاعلية وتأثير وسعادة.
الخلاصة...أراك عزيزى القارىء تراقب وتُعدِد كل حبات الرمل فى حياتك...وتحاول نسفها...أرجو أن أكون قد وفقت فى بيان كيفية نسفها، أو على الأقل لفت انتباهك لوجودها فى حياتك...كى تفعل مايجب فعله وتكون أنت مضاد حيوى واسع المجال.