خلال الأشهر القليلة الماضية لاحظنا ارتفاعا فى أسعار كل شىء بل وأصبح محور حديثنا فى كل مكان تجد من حولك يتحدثون عن نفس الشىء بدءًا من سعر "اللبان" والذى زاد بنسبة 100% وأجرة المواصلات وفواتير الكهرباء والمياه بالإضافة إلى السلع الأساسية التى لا غنى عنها من دقيق وأرز وسكر وزيت وصولا إلى وجود أزمه فى توفير تلك السلع رغم ارتفاع سعرها حتى أصبح كل منا يستعمل دهاءه فى استغلال الآخر بحجة "ارتفاع الأسعار" كسائقى الميكروباص مثلًا رغم وضع تسعيرة للأجرة بعد رفعها فيقوم بعضهم برفعها بحجة " الطريق زحمة، البنزين غلي، أو هو كده عاجبك عاجبك مش عاجبك إنزل" .
تصادف ذلك مع حدوث تضارب أيضًا فى الأسعار التى تبنتها مؤسسات الدولة لمواجهة التجار فكل تاجر يبيع نفس السلعة بسعر مختلف ، فعلى أى أساس يتم تحديده فعند سؤالى لأحد التجار بسوق فيصل ذكر لى أنه منذ خمسة عشر عامًا وهو بالسوق لم يمر عليه مرة واحدة أحد ممثلى الرقابة على الأسواق كى يتأكد من سعر بيع المنتجات ويكرر أن هنا بالسوق هناك تضارب فى بيع نفس السلعة وأن المواطن يجب عليه أن يمر بالسوق كاملًا كى يتعرف على أقل سعر لبيع نفس السلعة التى يبحث عنها وهو ما يمثل عبئا إضافيا على المواطن، أصبح المواطن لاهيًا فى يومه وكل ما يشغل باله هو أن يكمل معه راتبه حتى منتصف الشهر وليس آخره كالسابق، إلى أين سيصل بنا الحال؟ فالطبقة الوسطى قاربت على الانتهاء وأعباء المواطن ازدادت بنفس دخله ومهما حاول تقليل احتياجاته الثانوية والاستغناء عن الجزء الترفيهى البسيط فى حياته فلم يعد لذلك أى قيمة فى ظل ارتفاع الأسعار واحتكار السلع وتضارب بيعها بأسعار متباينة وأصبح كل فرد يبحث عن فرصة عمل بالخارج لشعوره بعدم القدرة على مواصلة الحياة بتلك الدخل مقابل كل تلك الأعباء اليومية.
فمع الأسف أصبحنا نستعمل ذكائنا فى أن يضحك كل منا على الآخر فمن المفترض أن يكون هناك رقابة شديدة على الأسواق فالمواطن لم يعد يحتمل كل تلك الضغوط من قلة فى الدخل مع ارتفاع فى أسعار السلع الأساسية وصولا إلى عدم توافرها، ومن اللافت للانتباه أيضًا أن هناك بعض السلع تكون أنواع أو درجات كالزيت مثلًا فإحدى الأنواع يكون أعلى سعرًا من غيره حسب جودته فأجد بعض التجار يقوم ببيع المنتج الأقل جودة بنفس سعر الأعلى مدعيًا أن السعر قد ارتفع وأن المنتج الآخر لم يعد موجود بسبب رفع سعره أيضًا فأصبح لا يشتريه فأصبحنا نتفنن فى الاحتيال على بعضنا البعض وكأننا محتلون ولسنا ممثلى شعب مصر.
كما أنه من اللافت للانتباه أيضًا وجود طرق أجدد وأشيك فى الاحتيال فى ظل كل تلك الظروف الصعبة والتى قاربت أن يصعب التعايش فى ظلها كظاهرة "black Friday" والتى اتضح أنها صيغة جديدة للاحتيال على المواطن البسيط الذى يصدق أى شيء ويسعى إلى الحصول على الخصم توفيرًا له والذى قامت فيه بعض المحال بوضع سعر أعلى من الطبيعى ثم يُشطب عليه ويوضع سعره الأصلى وكأن هذا بعد الخصم وتسابقت حشود وصلت للآلاف على الأسواق التجارية للاستفادة من التخفيضات، وفى النهاية يكتشف المواطنين أنه لا يوجد أى تخفيضات .
فى رأيى بتلك الدائره التى نطوف بها سوف نصل إلى أن يسرق بعضنا الآخر وضميره فى غاية الراحة والسرور، رفقًا ببعضنا البعض، إلى أين سنصل وتصل معنا الطبقة المتوسطة التى كادت أن تمحى من المجتمع ويصل بنا الحال إلى ثورة الجياع فيسطو البسطاء على الأغنياء لعدم توافر الاحتياجات الأساسية للمواطن من مأكل ومشرب وهو أبسط حقوقه وسيقول كل منهم وقتها "ضربوا الأعور على عينه قال ماهى خربانه خربانه"
ولذلك أتمنى أن يتم تطبيق ما يهدف إليه مشروع قانون حماية المستهلك من تحديد العلاقة بين المستهلك والمورد ووضع قواعد صارمة تقضى بحبس المنتجات عن التداول وحظر التلاعب فى الأسعار، ووضع قواعد بشأن حالات الارتفاع غير المبرر فى أسعار السلع والخدمات، ووضع عقوبات رادعة حال المخالفة، بجانب وضع سياجاً من الحماية القانونية على حقوق المستهلك حيث يحظر إبرام أو ممارسة أى نشاط يكون من شأنه الإخلال بحقوق المستهلك، مع منح المستهلك الحق فى رفع الدعاوى القضائية عن كل ما من شأنه الإخلال بحقوقة والإضرار بها أو تقييدها وذلك بإجراءات سريعة وميسرة مع تكثيف الرقابة على منافذ بيع وتوزيع السلع الأساسية بجميع المحافظات، وتعزيز التواجد الأمنى للحد من محاولات الاستحواذ على البضائع وتخزينها بهدف رفع أسعارها.