شغلت قضية التنمية العديد من الكتاب والباحثين فى التخصصات والمجالات البحثية المختلفة، مما ترتب على ذلك اختلاف وجهات النظر، للمساهمة فى حل القضايا المطروحة الملحة التى يجابهها واقعنا المرير، مما يدفع الجميع إلى محاولة البحث والتنقيب عن حلول جذرية لتلك القضايا.
ونتبنى وجهة نظر لا تختلف كثيرا عن وجهات النظر والتعريفات المطروحة للتنمية والتى تعرف بأنها: عملية توسيع القدرات التعليمية والخبرات للشعوب، والمستهدف بهذا هو أن يصل الإنسان بمجهوده ومجهود ذويه إلى مستوى مرتفع من الإنتاج والدخل، وينعم بحياة كريمة تتمثل فى مأكل ومشرب وملبس ووسيلة مواصلات مناسبة .
وبالنظر إلى حالة المجتمع المصرى يتضح أنه بحاجة ماسة للنظر فى العديد من القضايا التى تمس أساسيات التنمية مثل قضية الحريات، الأمان، احترام الآخر، العدالة الاجتماعية، والاحتواء، جنبا إلى جنب مع الاهتمام بالاقتصاد، والمشروعات القومية، وأساسيات البنية التحتية، حيث لا يمكن قياس التنمية بمستوى الدخل فقط، كما أنها لا تقاس بالمتوسطات العامة التى قد تتضمن نسبة عالية من الحرمان والتوزيع غير العادل للفرص.
الجميع يدرك الأهمية والمنفعة المترتبة وراء المشروعات القومية التى أصبحت سياسة واضحة تنتهجها الحكومة الحالية، وبصرف النظر عن الانتماء الفكرى أو التوجه السياسى لأنها فى المقام الأول ذات عائد مشترك على الجميع، ومن البديهى والمنطقى أنه لا أحد يعترض على استزراع المناطق الصحراوية، أو زيادة الرقعة الزراعية، فى الوقت الذى تم التعدى على الأراضى الزراعية بشكل ملفت للنظر، ولا يعترض أحد على تنمية المناطق الحدودية أو غيرها من المشروعات التى تحتاج إلى تضافر جهود الجميع من أجل تحقيقها والتى تهدف فى النهاية إلى زيادة موارد الدولة وإيراداتها وزيادة التصدير وجذب رؤوس الأموال وغير ذلك من الاثار الإيجابية التى تنعكس على اقتصاد الدولة وسياستها.
وأورد بيان الحكومة أمام مجلس النواب ( 27/3/2016 ) بعضا من هذه المشروعات ومنها : مشروع تنمية محور قناة السويس، وإنشاء جيل جديد من المدن الجديدة، ومشروع تنمية مليون ونصف المليون فدان، وتطوير الساحل الشمالى الغربى عن طريق إقامة مجموعة محاور عرضية وطولية فضلا عن مشروعات صناعية وسياحية وعمرانية وزراعية وتوليد الكهرباء، والطرق الكبرى ومحاور التنمية الجديدة حيث يجرى حاليا تنفيذ شبكة طرق تضم محافظات مصر كافة مع تطويرها حيث يبلغ طولها نحو خمسة آلاف كم ومحور 30 يونيو، ومدينة الجلالة الجديدة، والذى يهدف إلى تطوير منطقة خليج السويس والعين السخنة وجذب مزيد من الاستثمارات السياحية وإتاحة فرص عمل جديدة.
وبالتزامن مع اهتمام القيادة ومتخذى القرار ورجال الاقتصاد بهذه المشروعات وجب الاهتمام بمجموعة القضايا سالفة الذكر حتى نحقق تنمية متكاملة حقيقية، مثل قضية الحريات، الأمان، احترام الاخر، العدالة الاجتماعية، والاحتواء، حيث تعتبر العدالة ركناً اساسياً من أركان التنمية، والمجتمع الذى تغيب فيه العدالة الاجتماعية لا يمكن وصفة بانه مجتمع متقدم أو يتمتع بمستوى مرتفع من التنمية، كما أن احتواء الأفراد بإشراكهم فى المجتمع وعدم استبعادهم بسبب الجنس، والدين او الانتماء الطبقى او العرقى، ضرورة حتمية يسعى اليها الجميع، وجاء ذلك حق اصيل لكل المصريين بنص المادة (53) من الدستور المصرى 2014. كما تعتبر "الحياة الآمنة حق لكل إنسان، وتلتزم الدولة بتوفير الأمن والطمأنينة لمواطنيها، ولكل مقيم على أراضيها." بنص المادة (59)، ضمن باب الحقوق والحريات والواجبات العامة التى تلتزم بها الدولة تجاه المواطنين لأن الدستور يعد بمثابة العقد الذى يربط الحاكم بالمحكومين.
وفى الأخير فان فكرة تبنى مفهوم شامل للتنمية ليكون شعاره "الاقتصاد من أجل التنمية الانسانية"، هى فكرة قديمة ترجع إلى التراث اليونانى القديم، عندما ذكر الفيلسوف ارسطو مقولته المشهورة "من الواضح أن الثروة ليست هى المنفعة التى نسعى لتحقيقها، فهى مفيدة فحسب، بقصد الحصول على شيء اخر".