فى زاوية ما من هذا العالم الصغير يجلس ذلك المتسول الذى أضحى يمثل جانباً ملحوظاً أو بالأحرى مؤلماً على متن هذا الكوكب، فبدلاً من أن يؤمن قوت يومه بمهنة بسيطة وإن كانت يدوية - أو ما شابه ذلك - تجده يلجأ إلا مهنة اللا مهنة، يتفوه بعبارات ليس لها أساس من الصحة وتختلف مدلولاتها بالنسبة إليه وربما ليس لها أى مدلول من الاصل ولكنه ورثها ممن سبقوه.
عودة بالتاريخ إلى عصر الإسلام الذهبى لنجد الرسول صلى الله عليه وسلم يقول : ( إِنَّهُ مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ مِنْ نَارِ جَهَنَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ وَمَا يُغْنِيهِ قَالَ مَا يُغَدِّيهِ أَوْ يُعَشِّيهِ )، لم يهمل الإسلام جانباً ما واهتم بالإنسان وصون كرامته اكثر من اهتمام الإنسان بذلك، ولكن ذلك الضجر الذى يقرع أبواب الكسل يتسلل إلى تلك النفس الضعيفة فيزين لها ما لا يناسبها فتجد المتسول تارةً يتمسك بك وتارةً يكتفى بترديد شعارات من مثل : "حسنة قليلة تدفع بلايا كثيرة "، حقاً أصبحت تردد امامنا اكثر من ترديد النشيد الوطنى فى المدارس.
ومن ناحية أخرى تجد القاعد على ذلك الكرسى المتحرك الذى يدعى العجز ويكتفى بتحريك العاطفة البشرية، تجده بين ثنايا الطرقات حول المشاة ويشاء القدر أن تعكر سيارة مسرعة غير متوازنة صفو مهنته فتجده يترك الكرسى جانبا ويسرع بالفرار لكى ينجو بنفسه التى لم تعد نفساً فى الواقع !
ربما يحتاجون إلى مزيد من الممارسة لإتقان هذا الدور أو إلى ارتداء احدى الدورات التى يقدمها متسولون أكثر خبرةً.
وفى نهاية المطاف يكتفى المشاهد بأن يعلق على الأمر بمنشور ساخر على صفحات التواصل الاجتماعى الذى يحصد الإعجابات بدوره ويصبح محور الحديث لمدة يومٍ أو يومين.
ولم يكد ذلك الوباء أن يحلّ بنا حتى انتشرت اساليب السرقة المختلفة والاختطاف واصبحت الجريمة شرارةً تسدل الستار عن زميلاتيها بمجرد أن يبدأ العرض .
صنف التسول على أنه مشكلة حيث إنه ظاهرة سلبية تحدث فى المجتمعات البشرية، تمثل خللاً أو تعويقًا لسير الأمور ؛ مما يؤدى إلى نشوء نوع من المفارقات بين المستويات المرغوبة من قبل الأفراد فى المجتمع، وبين الظروف الواقعية .
ويرى علماء النفس أن تلك المشكلة تمثل خطراً على المجتمع عامةً وعلى الأطفال المتسولين خاصةً ؛ إذ يتعرضون لمضايقات من المارة وتصل أحياناً إلى الاعتداء الجسدى والنفسى وأبشع أنواع الاستغلال، والسر وراء ذلك يكمن فى ضعف الوعى لدى الأسر وانشغال وسائل الإعلام عن الموضوع وضمور العقل الذى تغذيه الفطرة السليمة ؛ ومن هنا دورنا الممثل فى تشر الوعى ومحاولة تخطى تلك العقبة وتدخل الحكومات ورجال الاعمال لتوفير فرص للعمل اكثر من المتاحة عسى أن يصحو ذلك المتسول من سكرته وينجو بنفسه وبأسرته .
عند النظر إلى الأمر بعين الشفقة نجد بعض المارة يشفقون على المتسول من الفقر فتسرع أيديهم إلى إحضار بعض النقود، أما البعض الأخر فيشفق عليهم من سوء ما وصلوا إليه ومن تلك الحالة التى لا يرثى لها، فكم من عظماء لم يكونوا سوى مورد بشرى اخترق عباب الصعاب ووصل إلى شاطئ التقدم والفلاح.
فاقد الشيء لا يعطيه، تتمثل معانى حروف تلك المقولة فى ذلك الحدث اليومى فيستحسن أن نجرب أن نكسبهم معانى الكرامة والاستقرار والمسؤولية عسى أن نجدها مقدمةً منهم يوما ما، ولكن هل من مجيب ؟
لا يسعنا فى نهاية الأمر سوى التكاتف والتساند وان نرف أكف الضراعة بالدعاء إلى المولى ونطلق العنان لضمائرنا لكى تزهو وتصلح الأمر بحلول منطقية، حتى نهنأ بمجتمع واع نعيش بين أحضانه فى سلامٍ تام وتحيطه روح المحبة والأمان .