وسط هذا الزحام وبعد خروجه من القطار سائرا وسط الآلاف من البشر، وإذا به يلمح على مسافة بعيدة جدا وجه صديقه الذى فقده منذ سنوات وانقطعت وسائل الاتصال به تماما. وفى نفس الوقت ورغم هذه المسافة البعيدة، لمحه صديقه أيضا فرفع يده وأشار لصديقه والذى رد عليه أيضا الإشارة، فإذا بحالته المعنوية ترتفع كثيرا وترتسم على وجهه كل أنواع الابتسامات وتلمع عيناه من الفرحة ويطل من وجهه نور.
حاول اقتحام الزحام فلا يريد أن يفقده مرة أخرى، ولكن كان الأمر صعبا وكلما حاول الاقتراب يجد صديقه يبعد أكثر وأكثر، تغيرت الابتسامة إلى قلق بالغ. حاول أن ينادى عليه بأعلى صوت حتى يسمعه ولكن صوته تلاشى مع ضجيج أقدام هذه الحشود الهائلة التى تشبه البحر الثائر.
وقف على أحد سلالم الصيانة ليرى المشهد من أعلى جيدا. أطلق صرخة عالية مدوية ونادى لا ترحل لا ترحل وأسَمَعَتْ هذه الصرخة المئات ممن كانوا بجواره وانتبهوا والكل يتمتم فى وقت واحد قائلين لا حول ولا قوة إلا بالله ماذا سرق منك هذا السارق.
ينزل من على السلم الحديدى ويجلس على الأرض فى وضع مؤسف قائلا لهم، إنه ليس سارق إنه عمرى الذى ضاع منى، سرقتنى الحياة حاولت أن أصل لنفسى فلم أجدها حتى صارت سرابا واختفت. عطف عليه الناس محاولين تهدئته ولكنه جلس صامتا مندهشا قلقا حائرا .