حقًـا، ومن الحب ما قتل، فليس من الضرورى أن من يحبك هو من ينفعك، بل قد يكون هو قاتلك؛ لأن الحب قد يسير فى الاتجـاه الخاطئ، وقد يتحول إلى أنانية مفرطة أو رغبة فى التملك والاستئثار، وأحيانًا يظن المحب أنه الوحيد الذى يعرف مصالح حبيبه، وأن الأخير ليست لديه القدرة على التعايش واكتساب الخبرات، فيقتل ثقته تدريجيًا فى نفسه، ويُحوله دون وعى منه إلى مجرد آلة تسمـع فتطيع، ولا تملك القدرة على اتخاذ القرار، وللأسف صور القتل فى الحب كثيرة جدًا، فالآباء والأمهات الذين يرسمون مستقبل أولادهم، ويرفضون أى صورة أخرى لهذا المستقبل، قد يجعلون من أبنائهم مجرد أدوات روتينية، تسير على وتيرة رتيبة، فى حين أنهم لو كانوا ساعدوا أبناءهم فى تحقيق أحلامهم، وعملوا على تدعيمهم؛ ربما صنعوا منهم عباقرة ومتميزين، وكثير من الصور القاتلة، فالقتل هنا معنوى، أكثر منه جسدى، وما أصعب قتل الروح تحت مظلة كلمـة الحب، ولكن ألا تريدون أن تعرفوا أصل هذه المقولة، فهى فى أساسها قصة عاشها الأصمعى، حيث يقول : "بينما كنت أسير فى البادية، إذ مررت بحجر مكتوب عليه هذا البيت من الشعر :
أيا معشر العشاق بالله خبروا إذا حل عشق بالفتى كيف يصنع
فكتب الأصمعى تحته البيت التالى :
يدارى هواه ثم يكتم سره ويخشع فى كل الأمور ويخضع
فقال : "ثم عدت فى اليوم التالى فوجدت مكتوبًا تحته هذا البيت:
وكيف يدارى والهوى قاتل الفتى وفى كل يوم قبله يتقطع
فكتب تحته هذا البيت:
إذا لم يجد الفتى صبرًا لكتمان سره فليس له شيء سوى الموت ينفع
ويقول الأصمعى : "فعدت فى اليوم الثالث، فوجد شابًا ملقى تحت الحجر ميتًا، ومكتوب تحته هذا البيت :
سمعنا أطعنا ثم متنا فبلغوا سلامى إلى من كان بالوصل يمنع
ومن هنا أُطلقت حكمة : (ومن الحب ما قتل)، فبالفعل، هذا الفتى قتله الحب، سواء كان عشقه الذى يتعذب فيه، أو بسبب حب الأصمعى فى الرد عليه ونصيحته التى أودت بحياته، لذا فلا تندهشوا، فحتى الحب قد يكون أقوى سلاحًا للقتل لو لم يُوظف بالطريق الصحيح .