تلك هى نسمات الحياة وعبيرها، رحمات الكون وأحضانه الدافئ، تلك هى الأنثى؛ التى احتارت الأقلام فى شهادتها وهى تدلى بفضائل تلك المخلوقة الرائعة، والتى تفنن كل من الشعراء والأدباء فى وصف جمال روحها، والذى يضاهى الحياة بأسرها.
نعم؛ إنها هى تلك التى أراها كلما نظرت إلى أمى وأختى وصديقتى، فلم يسعنى إلا أنحنى حباً وإعجاباً لهذا الينبوع من الحب والحنان الذى لا يجف ولا ينضب، فهى التى خلقت لتكون الونس والسكن؛ فعندما خُلق آدم عليه السلام، وأسكنه الله الجنة فاستوحش، فبينما هو نائم خلقت حواء من ضلعه، فلما استيقظ رآها فسألها: من أنت ؟ قالت: أنا امرأة، قال: ما اسمك؟، قالت: حواء.
قال: لما خلقتى؟ قالت: لأكون سكناً لك، فهى خلقت وتعى دورها جيداً والتى فطرت عليه من أجل أن تعطى وتساند، وتضحى بدون مقابل، فقد وهبها الله قلباً هو فى الحقيقة وطناً وملاذاً لكل أحبتها ولكل من هم تحت مسئوليتها ورعايتها، وذلك بتكليف من خالقها وبرحمة من رحماته الكثيرة أودع فيها هذه القوة والتى بها ستحمل على عاتقها جعبتها المعبئة بهموم من تحب، وبيدها الحانية ستمحو الآلام والدموع عند السقطات والأزمات، وتحنو عليهم عندما تقسو الدنيا وتدير لهم وجهها، وتربط على ساعديهم لتدفعهم للأمام، وأيضاً تحميهم عندما يهنوا ويضعفوا ! نعم تحميهم، نعم تحميهم.
فليست الحماية قاصرة على الأقوياء أشداء البنية أصحاب القوامة فقط! فمن الممكن أن تتمثل القوة فى قلب يتألم منك ومن أجلك فى نفس الوقت؛ قلباً تتحكم فيه الأحاسيس والمشاعر التى لا تكل ولا تمل من العطاء والحب والتسامح، هى كذلك، خلقت بهذا النقاء ولكن
قلما من يظل فينا كما خلق بدون أن تضع الدنيا وشقائها عليه لمساتها وصبغتها.
فهناك دائماً الظروف، والأشخاص، وضغوط الحياة؛ التى لم ترحم فينا أحد، والتى لها دورها فى قسوة كل منا على الآخر، فهنا تتلاشى المشاعر، وفى بعض الأحيان تتبدل الأدوار، وما أصعبه من إحساس حين تضطرنا الظروف لتجسيد دوراً نتخلى فيه عن جزء من إحساسنا بذاتنا، فحينما فُقد من يمنحها الإحساس بالطمأنينة والآمان لتستمد منه قوتها ! فها هى على الفور وبكل بساطة تتخلى عن أنوثتها لتتحمل المسئولية كاملةً، وكثيراً ما تكون هذه المسئولية عبئاً عليها وأكبر من قوة تحملها، لكنها لم تجد بديلاً، فليس كلهن يأملن أن يعشن فى دور الضحية والمغلوبة على أمرها، ويمنعها من ذلك عزتها وكبريائها، وأيضاً لما تمليه عليها عاطفتها التى تسبق عقلها، وربما كانت هذه العاطفة سبباً فى إيقاعها فى المحظور أحياناً والخطأ إلى حد ما كثيراً .!، ولكنها غالباً ما تقرر بعد هذه الضغوط أن تخوض المعركة بنفسها فى ساحة الحياة الدنيا، وكما نعلم أن الواقع دائماً صادم ! وخصوصاً فى بادئ الأمر، لأنه يحول بينها وبين خيالها والذى هو جزء من تكوينها، فهو عادةً ما يزين لها الأمور ويهيئ لها دائماً بأن كل شىء سيصبح على ما يرام، ولكنها يقيناً ستعانى لما ستجده من حياة قاسيه فى مناخ لم تخلق له.
ويا ليتها عندما تخطئ أو تتعثر تجد من يلتمس لها عذراً !! فالكل قاضى، والكثير جلادون، ولو أن أحداً ممن يهمه الأمر التفت إليها وإلى ما تشعر به لانقضى الأمر وعادت الأمور إلى قواعدها سالمة .
ولكن هناك الكثيرات اللاتى لم يدر أحد عن مشاعرهن شيئاً واللاتى تكاد أن تنفجر بداخلهن كالبركان عندما تتخبط وتفقد اتزانها .
لا يدركون أنها فى أشد الحاجة لمن يحتويها ويكون مسئولاً عنها وعن سعادتها، وهذا ليس بالكثير! فكل ما تحتاج إليه هى الأخرى “سكناً” وليس مسكناً! تصحو وتغفو فيه بسلام، فهل من يد حانية تمتد إليها لتحملها وتعيدها لمحارتها !
نعم تعيدها إلى محارتها؛ أى مكانتها التى تحفظ لها كيانها، فهى بالفعل كاللؤلؤة التى طالما نراها جميلة براقة تزين مكانها أينما وجدت، ولكنها حين انتزعت من محارتها فقدت الحياة، فهى خلقت بداخلها كى تحميها وتحافظ عليها من أن تجرح أو تخدش، ولكن كما أن الغافلين عن هذا الكنز كثيرون، إلا أن هناك أيضاً الكثير من الأسوياء الذين يقدرون ويجيدون الرفق والمودة والرحمة، فهنيئاً مريئاً لهؤلاء الذين إذا رزقوا لؤلؤاً أجادوا تهيئة المحار اللائق به، فليسعدوا بحياة كجنة فيها يحيون ولهم فيها ما يشتهون مع اللؤلؤ المكنون .