بيتر بدوى عطية يكتب : أول يوم على المريخ

بخطوات مبتعدا عن المركبة التى أقلتني.. سرت متثاقلا وربما مزهوا بما أرتديه من ملابس الفضاء اللامعة.. وما أن ابتعدت أمتارا قليلة حتى علا أزيز المركبة التى أقلعت عائدة.. وعاد السكون ثانية يلف الكوكب.. وأنا وحدى. لا يعكر ذلك الهدوء سوى أنفاسى المتسارعة داخل الخوذة الزجاجية.. نظرت نحو الأفق.. فلم أر سوى صحراء حمراء وجبال صهرية.. وهدوء مخيف.. مر بعض الوقت لا أعلم كم هو تذكرت حياتى على الأرض.. اشتقت إلى أهلى. اشتقت إلى الزحام وأصوات العراك فى الطرقات.. سرت.. ولا أعلم وجهتى.. أسير والشوق يغلى فى أضلعى.. وخفقان قلبى يخيفنى.. والوحدة تلتهم الوقت.. أتلفت برهة وأستدير برهة.. عما أبحث؟؟؟ لا أدرى. من قبل.. منذ أيام.. كم تمنيت كثيرا أن أكون وحدى بعيدا عن الضوضاء والزحام.. بعيدا عن الناس.. وها أنا الآن أبحث عن الناس وكلى يقين أنى لن أجدهم.. أنا فقط وملابس لامعة وصحراء حمراء لا تنتهي. . وانفاس. تذكرت ابنائى وزوجتي. . . اشتقت لهم كثيرا اشتقت إلى منزلي. . . اشتقت إلى صوتي ازهاري. . . وحوض السمك كم اود العودة . . . انفاسى تتسارع تكاد تصم اذني. . كم مر من الوقت ؟؟ لا اعلم . اعيانى السير فوقعت. . . لم تتأثر ارض المريخ بوقوعي. . لم تتناثر الرمال . . وكأنه لا يشعر حتى بوجودي. . بكيت من الشوق والوحدة. الشوق الضائع وسط اليأس. . أريد الصراخ ولا استطيع. . اريد الصراخ بصوت عال يهز الكوكب الاحمر واقول " انا الانسان. . . . كائن اجتماعي. . . يعيش فى جماعات. . . لا يستطيع أن يحيا منفردا. . انا الانسان . . اذيب الارض والارض تذيبني. . لكننا نبقى معا لا نفترق. اشعر أن الهدوء يتوحش من حولى والسكون يزيد كأنه بتسلل إلى ويتخللنى .. اشتاق إلى انسانيتي. .. التى استمدها ممن حولي.. ولا اجدهم الان .. فجأة زال السكون .. قاطع صوت انفاسى صوت اخر اعرفه. انه صوت انذار قرب انتهاء الاكسجين بالبذلة اللامعة.. ابتسمت فى سخرية واخذت نفسا عميقا.. يقينا هى آخر انفاس لى وتساقطت من عينى دموع هى آخر دليل على انسانيتي.. التى تركتها هناك على الارض.. وسط الزحام والضوضاء.. بقيت حيث انا ملقى فى صحراء حمراء بكوكب المريخ الذى لم يشعر بوجودى عليه. . فلم يكترث لموتى فى اول يوم لى على المريخ.