الفساد ظاهرة عالمية، حتى فى تلك الدول التى يطلق عليها دول العالم الأول. وقد حيرتنى هذه الظاهرة، وسبب هذه الحيرة الأسباب والدوافع، التى تدفع بالموظف العام، إلى ممارسة الفساد. والوقوف على هذه الأسباب والدوافع، ربما يكون خطوة فى طريق معالجة الفساد، كمرض سرطانى يصيب المجتمعات.
وفى علاج هذا المرض، قد نجد بعض الآلام والأوجاع، التى يخلفها التدخل الجراحى، والعلاج الكيماوى. وفى العلاج، ما يدفع المجتمعات، إلى تحمل فاتورة العلاج، وكلفته.
ومن أولى الأسباب التى تؤدى إلى الفساد، عدم الالتزام بالمبدأ الإدارى، الذى يقضى بضرورة تكافؤ السلطة مع المسئولية، حيث يتمتع المسئولون الحكوميون بحرية واسعة فى التصرف، مع الخضوع لقليل من المساءلة القانونية، ومن هنا يصبح المسئول فى مأمن عن المساءلة، وبالتالى العقوبة، ومن آمن العقوبة أساء الأدب، فيستغل المسئول تلك الثغرة، لينفذ منها إلى قبول الرشى، من الشركات والأفراد.
وثانى الأسباب: وجود عدد من القيود التى تفرضها القوانين واللوائح والقرارات والأوامر الإدارية، هذه القيود تدفع بالمسئول الفاسد إلى اغتنام هذه الفرصة لكسر هذه القيود مقابل منفعة خاصة، دون محاسبة من أحد.
ثالث الأسباب: مراحل الانتقال / التحول التى تمر بها المجتمعات النامية، التى تكون الظروف فيها مهيأة لتفشى الفساد، حيث يؤدى تفاقم الفقر، وارتفاع المخاطر، وعدم وجود آليات لتوزيعها، إلى زيادة الحافز القوى لاكتساب دخل أكثر ارتفاعاً.
رابع الأسباب: وجود العديد من الأنشطة، ذات الرشى الضخمة، التى تعانى من عدم التدخل الحكومى، بالقدر الكافى، كلفتها المحدودة، تدفع إلى تقديم رشى مغرية.
خامس الأسباب: طبيعة وأهمية العلاقات الشخصية فى الحياة الاجتماعية، التى تفضى إلى المحاباة والمحسوبية.
سادس الأسباب: وجود الأقليات، التى يدفعها الشعور بالمظلومية، إلى ممارسة الفساد، باعتباره وسيلة الحصول على الخدمة.
سابع الأسباب: تقنين الفساد، سواء باستحداث قوانين، أوبإلغاء قوانين موجودة، أو وضع سياسات، أو إلغاء سياسات، مستهدفة تحقيق مكاسب.
ثامن الأسباب: هشاشة المجتمع المدنى، وتهميشه، يؤدى إلى غياب القوى الموازية، التى تحدث التوازن المجتمعى، الذى يعيق تفشى الفساد، ونموه.
تاسع الأسباب: قد يؤدى إنخفاض الدخل الرسمى للموظف الحكومى إلى إغرائه بالفساد، وقد يكون ذلك سبباً فى التمسك بالعمل الحكومى رغم انخفاض دخلها.
عاشر الأسباب: العقوبات القانونية لا تشكل رادعاً فاعلاً لمجابهة الفساد، مما يؤدى إلى الانغماس فيه.
السبب الحادى عشر: ضعف الإشراف الحكومى، وإضفاء الطابع الشخصى، على العلاقات الوظيفية، وتقويض معايير السلوك الرسمى.
السبب الثانى عشر: وهو يتعلق بالإدارة الحكومية ذاتها، حيث أدى ضعف الأخلاقيات الوظيفية، مع غياب المساءلة الفعالة، إلى تفشى الفساد.
السبب الثالث عشر: احتفاظ الدولة بثروات ضخمة، أضفت المشروعية على سلطتها عليها، منح الموظفين صلاحيات استثنائية، فتحت باباً واسعاً للنهب.
السبب الرابع عشر: تضخم حجم القطاع الحكومى المعنى بتوزيع السلع والخدمات أدى إلى ازدياد الميل تجاه الفساد.
السبب الخامس عشر: التغاضى عن معاقبة كبار المسئولين الفاسدين، أدى إلى التوسع فى استغلال المنصب العام، ودخول أفراد جدد داخل دائرة الفساد.
السبب السادس عشر: التوسع فى منح الحصانة التى تحمى من الملاحقة القانونية.
السبب السابع عشر: أدى تفشى الفساد إلى استخفاف المجتمع بالقوانين والأنظمة، وتغير نظرة المجتمع إلى الأشخاص الممارسين لكافة صور الفساد.. الخ.
ومن خلال استقراء هذه الأسباب، يتبين لنا أن مواجهة الفساد، لا تقتصر فقط على الأنشطة الرقابية، التى تمارسها، الأجهزة الرقابية، بهمة ونشاط. وإنما الأمر يتطلب إصلاحياً تشريعياً، وإدارياً، خاصة لو أدركنا أن الموظف العام الفاسد كطرف، يقابله طرف آخر أشد فساداً فى القطاع الخاص. فالفساد الذى يفضى بشكل مباشر إلى إهدار المال العام والخاص، يصيب فى مقتل أخلاقيات العمل، وقيم المجتمع.