ناهد زيان تكتب: سارقو الفرح!!

ثمة عداوة وكراهية راسخة للبهجة وللحب وللجمال فى نفوس بعض المخلوقات التى لا أستسيغ تسميتها بشرا بأى حال، أولئك الذين لا يرضيهم أن يشعر البعض بالفرحة وإن كان عاش محروما منها مشتاقا إليها لكنها النفوس السوداء الجشعة والقلوب المتحجرة. تداولت المواقع الصحفية المختلفة فى الأيام الماضية خبرا عن سيدة من الإسكندرية جاوزت الستين لكنها لم تتزوج، ولم ترزق فرحة ارتداء ثوب الزفاف الأبيض، ولم تزف فى موكب عرس ولو كان بسيطا، بل عاشت حياتها تخدم والديها المريضين حتى أفنت عليهما زهرة شبابها وأحلى سنوات العمر دون ضجر أو تأفف، ودون أنانية لتفكر فى نفسها أو ترتب لحياتها الخاصة. تداولت تلك المواقع ما فعلته تلك السيدة، وهو أنها قامت بتأجير قاعة أفراح وجهزت كل ما يلزمها لتكون عروسا ولتسرق من الزمن لحظة بهجة وفرح مزيف، فقصدت صالة لتجهيز العرائس واشترت فستانا أبيض وارتدته وخرجت من محل الكوافير لتسير فى الشارع قاصدة قاعة الفرح التى حجزتها، فضايقها بعض المارة بالتهكم وشاركها بعضهم فرحتها حين عرفوا أنها عروس دون عريس، بل أن أحدهم تعاطف معها فقام بدور العريس وذهب معها، هو وبعض الناس لقاعة الأفراح وهناك قاموا جميعا بالغناء والرقص وكأنهم فى فرح حقيقى. ولهذا الحد لا بأس ولا ضير أصاب أحد ممن شارك ومن لم يشارك مع سيدتنا التى حاولت إسعاد نفسها، كان من الممكن أن ينتهى الأمر عند ذلك فتذهب تلك السيدة لمنزلها حيث تستأنف حياة الوحدة والوحشة والسكون، لكن أحدا لم يرض وأبلغوا عنها الشرطة التى تركت كل تلك الكوارث التى تعانى منها البلاد وتفرغت لأمر تلك السيدة التى لم تجرم سوى فى كونها مارست حقها فى الحلم والبهجة، فألقت القبض عليها ثم ساقتها لمستشفى نفسى لتعامل على أنها مجنونة!!. وفى اعتقادى أن الأمر تم قياسه بمنظور مادى بحت، فأهلها الذين تذكروها الآن رأوا أنها قد بعثرت مبلغا من المال كانوا هم أولى به فيما لا طائل منه ولا فائدة. فما هو ذلك الإحساس الذى هرولت وراءه تلك المسكينة لتنفق عليه مبلغا ليس باليسير فى نظرهم؟؟ الأمر لا يستحق حسب مقاييسهم!!. ومن المؤكد أن ما فعلته تلك السيدة لو حدث فى مكان غير مصر وسط شعب غير هذا الشعب الذى طحنته الأزمات والظروف لحد أنها طحنت ودمرت مشاعر الرحمة لديه، لكنا أعجبنا بتصرف كهذا وتداولناه على صفحات جرائدنا ومواقعنا الإلكترونية معلقين عليه بالإعجاب والتقدير، ومتخذين منه مثالا على أولئك الذين يتحدون الواقع المؤلم الضاغط ويبحثون عن لحظة بهجة وسعادة فقط مجرد لحظة. والحق إننا نعيش فى مجتمع يجرم كل من يحاول الخروج عن دائرة اليأس والركود، كل من يطمح أن يبتهج أو أن يكون مختلفا عن القطيع!!. نعم يعامل بعضنا البعض على أننا محض قطيع لابد وأن يسير فى اتجاه واحد صوب هدف واحد؛ هدف ربما أغلبهم لا يعرفه فقط هو يسير كيفما رُسم له!!. ذكرتنى تلك الحادثة بأمثلة مشابهة رأيتها وعايشت بعضها عن قرب شديد، أذكر أن فتاة كانت تعانى من السرطان فقررت مواجهته بالفرح والأمل فارتدت ثوب زفاف ونظمت عرسا جميلا وشاركها والدها هذا الحدث فقام بدور العريس، وحين تم نشر حكايتها وصورها بفستان الفرح مع والدها اتهمها بعض ضيقى الأفق وسارقو الفرح بزنا المحارم!! نعم وجهوا لها ولوالدها المحب المقدر لحالتها تلك التهمة الشنيعة!!! سارقو الفرح كثيرون وفى كل مكان للأسف، فبعض الناس لا يرضيه أن تلاحق طموحك العلمى معتقدا أن ذلك مضيعة للمال فيما لا فائدة منه!! غير أنه لا يكتفى بعدم رضاه بل يحاول صنع رأى عام مضاد لطموحك ومحارب له. ليس هذا فقط فبعضهم يعيب عليك نشاطاتك كلها أفكارك واختياراتك مهما كانت خاصة، بل أن مصطلح خاص هذا غريب عليهم ومستورد ومرفوض. باختصار شديد صرنا نعتنق التنظير والوصاية على بعضنا البعض بشكل لا يطاق ولا يحتمل ولا مفر من أن نفيق ونراجع أنفسنا، أو أن يعيش كل منا فى جزيرته الخاصة التى يصنعها بنفسه ومقاييسه بعيدا عن الآخر.



الاكثر مشاهده

"لمار" تصدر منتجاتها الى 28 دولة

شركة » كود للتطوير» تطرح «North Code» أول مشروعاتها في الساحل الشمالى باستثمارات 2 مليار جنيه

الرئيس السيسى يهنئ نادى الزمالك على كأس الكونفدرالية.. ويؤكد: أداء مميز وجهود رائعة

رئيس وزراء اليونان يستقبل الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي محمد العيسى

جامعة "مالايا" تمنح د.العيسى درجة الدكتوراه الفخرية في العلوم السياسية

الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي يدشّن "مجلس علماء آسْيان"

;