ما أن استوى عل كرسيه الأثير، بالمقهى، حتى أتاه من لا يعرفه، ليهمس فى أذنه قائلا: قد أسرفت فى الوعد !.
نظر له بتمعن فوجده عجوزا طاعن فى السن، يكاد يخلو فمه من الأسنان، تبدو على وجهه أثار ابتسامة قديمة غامضة، كان يرتدى "حُلّة" كاملة وربطة عنق زاهية اللون، أناقة ملبس العجوز كانت تتناقض تماما مع شيخوخته المتهالكة، فرسمتا معا لوحة عبثية.
أى وعد ذلك الذى أسرفت فيه؟ ولمن؟ ومتى؟ تساؤلات طرأت على ذهنه، لم يترك له العجوز مساحة من الوقت لطرحها فعليا، فقد تغيّرت سحنته كأنما قرأ ما بداخله، وانقلبت نظرة عينيه الهادئة إلى لهيب يحرق الأفئدة، أفزعه التغير السريع بهيئة العجوز، حاول أن يفر من المكان فخارت قواه وخذلته قدماه، ومادت به الأرض وغاب عن الوعى، دقائق قليلة ثم أفاق على يد النادل تربت على كتفيه لتوقظه برفق، ولا يزال صوت العجوز يتردد على مسامعه "لقد أسرفت فى الوعد".