طريقى دين بلا بدعة، وعمل بلا كسل، ونية بلا فساد، وصدق بلا كذب، وحال بلا رياء" هكذا يقول شيخ العارفين قطب الأقطاب أبو العلمين سيدى الشيخ أحمد الرفاعى رحمه الله، الذى انتهك السارقين حرمة مسجده عدة مرات خلال السنوات الأخيرة كان آخرها ما تم اكتشافه مؤخراً من سرقة 6 مشكاوات أثرية من حجرة الملك فؤاد والأميرة فريال، والذى لم أتعجب و لم أندهش مما حدث من سرقة مشكاوات أثرية أو اثار إسلامية فى المطلق، حيث أن تكرار مثل هذه الحوادث أصبح افتراضياً فى ظل غياب دور الدولة فى حماية الآثار بصفة عامة و الإسلامية بصفة خاصة، و نخص الآثار الإسلامية بالذكر حيث أن مشكل تأمينها و الحفاظ عليها مشكلة كبيرة، فأغلب الآثار الإسلامية فى مصر ملكيتها لوزارة الاوقاف التى أصبحت تمثل عبئأ ثقيلاً على التراث المصرى و أحد أهم الأسباب فى تبديد هويتها .
فى دول العالم المتحضر تكون مسئولية الآثار تابعة تبعية كاملة للجهة الرسمية المشرفة عليها و ليس للجهات أو المؤسسات الدينية التى تتعامل مع الآثر من الناحية الدينية فقط، و لم تفرق بين أثر ثابت أو منقول إذا كان أثرياً أم حديثاً و هذا لب المشكلة و السبب الرئيسى فى تدمير و سرقة الآثار الإسلامية فى مصر.
و عن وصف مشكاوات الرفاعى المسروقة فهى على طراز عصرها و يتجلى فيها النسق الفنى العام بتجليات روحانية خاصة، فهم ستة مشكاوات من أصل خمس عشرة مشكاة موجودة بحجرة الملك فؤاد والأميرة فريال بالمسجد و تلك المشكاوات تعود إلى سنة 1328 هـ، و عن وصفها الأثرى فهى مشكاوات زجاجية مصنوعة من الزجاج المموه بالمينا كما يوجد عليها رنك يحمل اسم الخديوى عباس حلمى الثانى كما تزين بكتابات بخط الثلث المملوكى لآية من سورة النور: "اللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ".
أحد أشكال عدم الاكتراث بقيمة التراث المصرى و ماهيته تتجلى بازغةً عقب وقوع سرقة مشكاوات الرفاعى، حيث قامت وزارة الآثار بإرسال صورتين لإحدى المشكاوات الأثرية إلى وسائل الإعلام و المنافذ الأثرية لإمكانية التعرف على القطع الأثرية، فنجد أنها صور تم التقاطها بأحد التليفونات المحمولة سيئة الكاميرا بجودة هى الأسوأ على الإطلاق، فتكتشف أنه حتى الآن و مع هذه الطفرة العلمية و التكنولوجية الكبيرة فى التوثيق و التصوير أن الآثار المصرية لا يوجد لها قاعدة بيانات معلوماتية ولا صور ثلاثية الأبعاد للقطع الأثرية و لذلك أجزم خبراء الآثار عند رؤية تلك الصور التى قد أرسلتها الوزارة أنها لا يمكن من خلالها التعرف على القطع الأثرية كما أن الصورتين هما لنفس القطعة و المسروق ستة قطع و ليست واحدة فقط علماً بأنه قد يتشابهم جميعاً فى الإطار الفنى العام و لكن حتماً سيختلفون جميعاً فى التفاصيل الدقيقة.
لم تكن تلك محاولة السرقة الأولى التى تعرض لها مسجد الرفاعى فهناك على مدار التاريخ عدة محاولات كان أغربها فى عام 2012 حيث أصدرت وزارة الآثار بياناً تقول فيه أن ثلاثة لصوص حاولوا سرقة أربع مشكاوات أثرية من داخل مسجد الرفاعي، وقاموا بفكها وتعبئتها فى أجولة، إلا أن رجال الأمن تصدوا لهم و قاموا بطردهم خارج المسجد و الغريب هنا فى الأمر هو ترك السارقين ليهربوا !! فقد كان يتعين عليهم ضبطهم و تسليمهم إلى شرطة السياحة و الآثار أو على أقدر تقدير إخطار مباحث قسم الخليفة و إتمام الإجراءات القانونية.
و قد شهد جامع الرفاعى فى السنوات الأخيرة و تحديداً فى 2015، خلافا كبيرا بين السادة الرفاعية الصوفية و وزارة الآثار عندما قامت بتنفيذ قرار الدكتور مصطفى أمين الأمين العام للمجلس الأعلى للآثار رقم 2128 لعام 2015م بإخلاء (سبيل الخاصة الملكية) بمسجد الرفاعى، وقد اعتمدت اللجنة الدائمة للآثار الإسلامية والقبطية قرار الإزالة وسيتم التنفيذ خلال الأيام القادمة حيث أن الطريقة شغلت السبيل لمدة 4 سنوات، وكان يتبع إدارة الدفتر خانة بوزارة الأوقاف، وأن هناك نزاعا بين الآثار والأوقاف منذ عام 1998م لإخلاء الدفتر خانة الملكية الملحقة بمسجد الرفاعى الأثرى من الإشغالات الحكومية، وبعد الاتفاق بين وزيرى الآثار والأوقاف، وافق وزير الأوقاف الدكتور محمد مختار جمعة على إخلاء الدفتر خانة وتسليمها لمنطقة آثار السلطان حسن والرفاعى.
وعن أبرز القبور الموجودة بالمسجد، يوجد قبر جنانيار هانم زوجة الخديوى اسماعيل الذى يتميز بأنه يعلوه صليب وتحته آيات قرآنية و هو ما يثير الانتباه إذا كانت قد أسلمت قبل موتها أو ماتت مسيحية !!كما يوجد فى الجانب الشمالى ستة أبواب منها 4 توصل إلى المدافن و2 يوصلان إلى رحبتين بين تلك المدافن، ففى الحجرة الشمالية الشرقية يوجد أربعة قبور لأبناء الخديوى إسماعيل و هم على جمال الدين والسيدة توحيدة والسيدة زينب وابراهيم حلمى و تعلو تلك الحجرة قبة ذات مقرنصات ملونة، وعلى اليسار من الجهة الغربية إحدى الرحبتين التى توصل إلى القبة الثانية و تضم قبرين، الأول للخديوى اسماعيل، والثانى للسيدة خوشيار هانم، وتضم الرحبة الثانية قبور زوجات الخديوى إسماعيل و هم شهرت فزا هانم وقبر جشم رفت هانم - التركيتان- إلى جانب قبر جنانيار هانم، شقيقة ديلسبس.
وفى حجرة أخرى، يوجد قبران أحدهما للسلطان حسين كامل ابن الخديوى اسماعيل والآخر لزوجته السيدة ملك. وفى الجزء الآخر من المقابر الملكية فى الواجهة الغربية، يوجد قبر الملك فؤاد الأول، وقبر لوالدته الأميرة فريال وثالث للملك فاروق وهو آخر الملوك الذين تولوا حكم مصر، وتوفى فى إيطاليا عام 1965، ونُقل رفاته إلى مصر ليدفن جانب أسرته كما يضم المسجد أيضاً قبر شاه إيران محمد رضا بهلوي، الذى جاء إلى مصر عقب اندلاع الثورة الإيرانية وتوفى عام 1980، ودفن فى هذا المكان لعلاقة النسب والمصاهرة بينه وبين الملك فاروق، حيث أن الشاه كان متزوجاً الأميرة فوزية شقيقة الملك و أيضاً يضم المسجد ضريحى الأميرة فادية، الابنة الصغرى للملك فاروق، وشقيقتها الأميرة فريال ودفنت فى هذا المكان بناءً على طلب الأسرة، وفى زاوية صغيرة أمام المدخل الرئيسى للمسجد، يوجد ضريحان للشيخين على أبى شباك ويحيى الأنصاري، وهما من شيوخ الطريقة الرفاعية
و من أبرز السرقات التی حدثت علی مدی السنوات الماضية للآثار الإسلامية بسبب هذا العبث من تداخل الإختصاصات و على سبيل المثال لا الحصر، سرقة “النص التأسيسى” من المنبر الخشبى لمسجد “تمراز الأحمدى”، وسرقة النص التأسيسى لإيوان السادات الثعالبة التابع لمنطقة الإمام الشافعى، وسرقة الحشوات المكفتة بالفضة من باب مسجد السلطان برقوق بشارع المعز، وسرقة أجزاء من الباب الخشبى لمسجد الأشرف برسباى الأثرى بمنطقة الجمالية، وسرقة لحشوات منبر مسجد السلطان الأشرف قايتباى بصحراء المماليك و سرقة حشوات جانبى منبر مسجد الطنبغا الماردانى، و سرقة بعض حشوات منبر مسجد أبو حريبة، و سرقة العديد من حشوات مسجد المؤيد شيخ و التى تكررت حوالى ثلاثة مرات، و سرقة حشوات بابى الروضة من منبر مسجد أزبك اليوسفى، و اختفاء منبر مسجد قانيباى الرماح، و سرقة حشوات وزخارف الأطباق النجمية المكونة للمنبر وكرسى المصحف من مسجد جانم البهلوان بالمغربلين بمنطقة الدرب الأحمر.
لذا أرى أنه يجب على الفور أن تقوم وزارة الأوقاف بتسليم كافة المساجد و المبانى الأثرية إلى وزارة الآثار لإيقاف تلك الكوارث التى تتكرر بصفة مستمرة كما أناشد الحكومة المصرية أن تقوم بإتخاذ كافة الإجراءات و التدابير اللازمة للحيلولة دون وقوع أية كوارث تاريخية أثرية من هذا النوع، كما أنه يجب على الفور توزيع صور و بيانات تلك المشكاوات على المنافذ المصرية كافة حيث فى أغلب الأحيان يتم تهريب الآثار عبر المنافذ المختلفة سواء كانت برية أو بحرية أو جوية.