الإسلام كمنهج للحياة كلها وكسلوك للفرد وكنظام للجماعة أدهش الدنيا ورأوا فى المسلمين نماذج إنسانية رفيعة عالية، فرأوا فى المسلمين هذه النماذج، فأحبوا الإسلام فى نماذجه من المسلمين، فلما أحبوا الإسلام فى نماذجه من المسلمين، قالوا نريد ذلك الإسلام الذى صنع هذه النماذج.
ولكن إذا نظرنا نحن اليوم، بأى شئ يلتفتون إلى إسلامنا؟
أيلتفتون إلى إسلامنا فى مسلمين هم نماذج للإسلام ؟ الإجابة قطعا لا.
كان التاجر المسلم الواحد يذهب إلى البلد الشاسع الوسيع، فبسلوكه الإسلامى وبقيمه فى كل تصرفاته يلفت النظر المحيط له إلى كمال ذلك الدين، فيقولون له ما الذى صيرك هكذا؟
فيقول لأن الإسلام صنعنى هكذا، فيقولون ما الإسلام ؟ فيبدأ شرح الإسلام لهم، فيتعلمون منه الإسلام.
وإذا نظرت إلى العجيب وجدت الكثافة الإسلامية فى أمم الآن لم يدخلها سيف إسلامى، وإنما دخلها أفراد مسلمون كانوا نماذج إسلامية.
ولكن ماذا يحدث الآن؟
إذا تأملنا الوضع الحالى فنجد العديد من الجاليات المسلمة فى بلاد أوروبا وفى البلاد الشرقية فى الأمريكتين، فلو أن كل الجاليات الإسلامية فى أى عاصمة من هذه العواصم كانت نماذج إسلامية حقة، للفتت أنظار هؤلاء إلى مبادئ الإسلام، ولكنهم للأسف يرون أنهم أخذوا الجاليات من هذه الدول الإسلامية إلى عاداتهم وإلى تقاليدهم، ولم تأخذ الجالية واحدا تجذبه لدينها بسلوكها الإسلامى، إذا فكان المسلمون بهذا الشكل هم الفتنة على الإسلام، ولو أنهم كانوا مسلمين حقا للفتوا انظار الدنيا كلها إلى محاسن الإسلام.
فمن المفترض أن ذهب إلى بلد من البلاد وفيه من ألوان الفساد ما فيه، ثم تأبى المسلم بخلقه، ثم تأبى المسلم بإيمانه، ثم ترفع المسلم بيقينه عن سفاسف هذه الحضارة وتفاهاتها، أظن أن ذلك سيلفت الجميع، وسيسألون لماذا لم تغريه هذه المغريات ؟
لأن له دين، هذا الدين يحميه وهذا الدين يمنعه من أن ينزلق، إذا فما أجمل ذلك الدين الذى يجعل الإنسان صخرة لا تلين أمام المغريات، فسيلتفت غير المسلم إلى هذا الدين.
إذن فقوة جذب غير المسلمين للإسلام قديما إنما كانت لشيوع السلوك الإسلامى الحسن فى أفراد المسلمين، ولكنهم ينظرون إلى المسلمين الآن فيجدون من يذهب إليهم قد انحل عن إسلامه وارتكب كل الموبقات، فإذن يقولون لو أن دينه خير ولو أن إسلامه خير ما صنع ذلك، إذن فنحن نجنى على الإسلام، لأننا لم نكون مسلمين صادقين، لأننا لم نكون مسلمين نموذجين، ولو كنا مسلمين نموذجين للفتkh الناس إلى ديننا، والى سلوكنا، ولعلموا أننا حين سدنا الدنيا، إنما سدناها بحق.
ولا يظن ظان أن الإسلام نزل اليوم فالإسلام نزل من 14 قرن وحين نزل طبق واقعا فى الحياة، ليس مبدأ نظريا فحسب، بحيث إذا تعرض للتطبيق لم ينفع ولكن طبق وظلت الدولة الإسلامية هى الدولة الأولى فى العالم قرابة ألف سنة، وذلك هو ما يخيف خصوم الإسلام، ولذلك يحاول خصوم الإسلام جاهدين أن يجعلوا مبادئ الإسلام باهتة فى نفوس المسلمين أنفسهم، فيوردون لهم كل شر، وإذا ما وردوا لنا كل شر أقبلنا عليه على أنه المظهر الحضارى، فإذا ما أخذنا عنهم ذلك سروا بهذا لأن ذلك يفت فى أعضادنا كمسلمين.
إذن فكل الوافدات التى تفد إلينا من شرور هذه الحضارات، وافدات مخطط لها ومرسوم لها حتى لا يكون المسلمون كما يريدهم الإسلام، ويريدون منا أن يكون الله على ديننا وأن لا نكون نحن على دين الله.
كلما جدت ظاهرة حضارية، يقولون العصر يتطلب ذلك، التطور يقتضى هذا، وحين يحب المسلم أن يعود لإسلامه وأن يعيد لإسلامه مجده وسيطرته ونفوذه وامتداده، فعليه أن يلفت نظر غير المسلمين إلى سلوك الإسلام، لأن السلوك هو الكتاب المقروء التى لا تقف فيه لغة أمام لغة.
فالذى لا يقرأ العربية ربما لا يعرف شيئا عن الدين، ولكن السلوك هو اللغة العالمية التى يعرفها كل إنسان فى كل لغة، فإذا ما اجدنا هذه اللغة العالمية من السلوك، كان لنا معجبون، ويسألون ما الإسلام الذى صنع هؤلاء، فيبدأون يقرأون، فإذا ما قرأوا عرفوا محاسن الإسلام، وعرفوا جمال الإسلام، وعرفوا أن للإسلام عظمة.ومن تكتلوا أمام الإسلام فأعلم أنهم يفهمون قوة الإسلام، فلو كانوا غير فاهمين لقوة الإسلام لما تكتلوا أمامه ذلك التكتل.والسؤال لماذا تكتلوا واتحدوا ضد الإسلام؟ لأنهم يعلمون أن لو تيقظ الإسلام كمبادئ وكمنهج وكسلوك فلم يبقى لظلم دولة ولا لطغيان أمة.فلابد أن نحيى القيم أولا فى نفوسنا وأن نبشر بالإسلام فى المسلمين أنفسهم لنوثق قواعد الإيمان والإسلام فيهم ليكونوا نماذج صالحة، ليكونوا أسوة، وحين يراهم العالم يلتفتون إليهم.
ويجب أن لا نلتفت إلى ما يشيعون من أنه دين جمود وإرهاب، فإنه دين ساد الدنيا وساس العالم وصنع حضارة إذا قارنتها بحضارات العالم وجدت حضارة الإسلام هى الحضارة الوحيدة التى تختلف مع ظواهر كل الحضارات التى جاءت فى الدنيا ( حضارة مصر القديمة، حضارة فارس، حضارة الرومان حضارة اليونان...الخ) كل هذه الحضارات، ظلت حضارات خارج حدودها ما وجد لدولتها قوة، فلما ضعفت دولها رجعت إلى داخل حدودها، ولكن فى حالة حضارة الإسلام، فحين ضعف المسلمون كأمة ودولة ماذا كان؟ هل رجع الإسلام إلى شبه الجزيرة العربية؟ هل رجع المسلمون وأخذوا معهم حضاراتهم؟ لا.
ظل القوم على قومياتهم والإسلام الذى أخذوا ظل دينهم، فالإسلام الذى دخل القلوب ليس من السهل على الإنسان أن يتركه، قد يكون غافلا عن بعض مناهجه، ولكن حلاوة الإسلام تظل فى نفسه، تجد انسان منحرف وغير سوى فى سلوكه الإنساني، ولكن فى النهاية لم يجد إلا باب الله راحة، ولم يجد إلا الدين ملاذا، ولم يجد إلا كتاب الله شافيا.
وعلى الإنسان العاقل أن ينظر فى تجارب من سبقه، وأن يأخذ التجارب بغايات ثمارها، وبذلك ليس من الضرورى أن تكرر تجربة الغير، بل نأخذ الغاية بما انتهوا إليه، فإذا حادوا عن الطريق وفى النهاية رجعوا للسلوك الإسلامي، فعلينا أن نأخذ عبرة من هذا، وأن نلتفت إلى غايات ما انتهى إليه الناس قبلنا، ونبدأ من حيث انتهى غيرنا، فإذا كأنه نهايتهم بتجربة إيمانية وجعلنا هذه التجارب هى مستقبلنا فقد وفرنا على نفسنا كثيرا.