تنادى القوم على عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم) بل وفى حضوره (إن صح عنه) وهم يقولون (يا بنى فلان، يا بنى فلان) فقال عليه الصلاة والسلام (دعوها فإنها منتنة) وهنا قصد رسولنا الكريم (صلى الله عليه وسلم) العصبية والقبلية والتحزب عامة، وهناك من الأحاديث الدالة على عدم التفريق بين الناس مثل قوله ( صلى الله عليه وسلم ) (لا فضل لعربى على عجمى ولا لأبيض على أسود إلا بالتقوى )، وقوله (كلكم لآدم وآدم من تراب) إن صح عنه ( عليه الصلاة والسلام).
لكنه لم يغفل أهمية الأصل الطيب ولهذا قال الرسول الكريم ( صلى الله عليه وسلم ) ( خياركم فى الجاهلية خياركم فى الإسلام ما فقهوا )، ولا ننسى الدليل الدامغ فى كتاب الله عز وجل فى سورة ( الكهف ) عندما يقوم الرجل الصالح مع سيدنا موسى ( عليه السلام ) بإعادة بناء الحائط قبل أن ينهار وعند استفسار ( موسى عليه السلام) على عدم أخذ أجر مقابل البناء فيكون الرد أنه ليتيمين بالمدينة لكن الرد تضمن قوله ( وكان أبوهما صالحا ) وهنا يتضح لنا أن صلاح الشخص ينفع الذرية بل والأحفاد مثل قول الله _ تعالى _ ( ذرية طيبة بعضها من بعض )
قد تكون مقدمة مطولة لما أردت قوله بعد اندهاشى من تنادى أصدقائى فيما بينهم عن أيهم ينطبق عليه أنه ( ابن أصول ) فقد تشبث كل منهم برأيه بأنه من يحمل هذا الوسام الرفيع وهذه المكانة المرموقة، فقد فسر كل منهم توصيف الأصل على هواه الشخصى أو حسب مقاييس وضعها بعناية لتناسب إسقاط هذا الشرف عليه
فمنهم من قال أن ابن الأصول هو ( الباشا ابن الباشا )، أو سليل ( البهوية ) وهلم جرة من الألقاب التى توارثناها عن ( العهد العثمانى ) فقد فسر مؤيد هذا الرأى الأصل هنا على حسب التصنيف المادى فهذه الشريحة من وجهة نظره هى أهل الأطيان والأملاك المتنوعة بالإضافة إلى المكانة الاجتماعية التى يتميزون بها فى مجتمعاتهم
ومنهم من فسر توصيف ابن الأصول على أنه (اللى متربى على الطبلية) حسب وصفه بالطبع وقصد من هذا الوصف أنه من أسرة فهو مقدر للكبير ومقدر لقيمة ومكانة كل فرد فى أسرته الصغيرة والكبيرة فهو من (يستحى العيبة) ويؤكد قول أحدهم (ميعرفشى قيمة الناس غير ابن الناس).
بالتأكيد عزيزى القارئ المحترم ليس لدى اعتراض قطعى على توصيف أصدقائى فكل منهم قد أدلى بدلوه بناء على تجربته الشخصية أو بناء على تعاملاته وحسب البيئة التى نشأ فيها، وهذه الشرائح المجتمعية المذكورة بالتأكيد فيها من الخير الكثير، ولكنى جالست نفسى لسويعات أبحث فى كل ما سبق لأجد (المختصر المفيد) لكل تلك الأطروحات والتوصيفات للأصول وأهلها.
فوجدت أن أفضل مختصر هو (أصلك فعلك)، فالقياس على العمل هو أفضل اختبار من الممكن أن نقيس عليه فكما هو القول القديم (أصل الفتى فعله)، فعليك يا عزيزى أن تقيس أصلك بعملك، فإن كنت تخشى ( العيبة ) كما يقولون فقد استحى عليك أصلك الطيب تحقيقا لقول أهلنا فى صعيد مصر (الأصل يستحى).
إذن كل ما عليك فعله عندما تقدم على عمل مشين أن تقف مع نفسك للحظات وتقول لها ( هل يستحق والدى وجدى وأهلى أن أجلب لهم العار وأن أشوه تاريخهم وصورتهم أمام الناس ) ؟ فصدقنى ساعتها سوف يتحرك مكنون الأصل لديك ليمنعك من الإقدام على أى عمل يسيء لك ولأسرتك
فما بالك لو قمت بعمل كل ما يضيف لأصلك الطيب من خلال تصرفاتك الناضجة وأسلوبك المتحضر فى الحياة ساعتها ستجد من يفتخر بك من أولادك وأحفادك، ومن هنا يتضح لك أنك بتصرفاتك وعملك سوف تثبت لنفسك ولغيرك أنك من أصل طيب فأصلك فعلك، فاجعل من عملك خير سفير لأصلك (فكل إناء ينضح بما فيه).