ما أصعب أن يُحاسَب الإنسان على ما لا يملك فيه شيئًا، فهذا هو عين الظلم، فكيف لإنسان أن يُحاسِب إنسانًا آخر على أمور لو وضع نفسه مكانه، لكان شعر بذات العجز، فالإنسان مهما كانت قدراته، فهى فى النهاية محدودة أمام المُقدرات، وأمام مشيئة المولى – عز وجل – ولكن للأسف الكثيرون يظنون أن بإمكانهم مُحاسبة الآخرين على ما لا يملكونه، ويُحملونهم تبعة أشياء لا يد لهم فيها على الإطلاق، ومن هنا تردد المثل القائل : "إنما نُعْطى الذى أعطينا"، أى أننا نجود بما نملك .
وقصة هذا المثل تحكى عن أن رجلاً كانت امرأته تلد إناثًا، فولدت له فى أول مرة جارية، فصبر، ثم ولدت جارية أخرى، فهجرها، وتحول عنها إلى بيت قريب منها، فلما رأت منه ذلك أنشدت تقول :
ما لأبى الزلفاء لا يأتينا وهو فى البيت الذى يلينا
يغضب أن لم تلد البنينا وإنما نُعْطى الذى أعطينا
لما سمع الزوج هذا الشعر من زوجته طابت نفسه، ورجع إليها، وصار مثلاً يُضرب فى الاعتذار عن الشيء الذى لا يملكه الفرد . فبالفعـل كيف يتسنى لنا أن نُحاسِب الآخرين على مُقدرات الحياة، أو على أشياء نحن ذاتنا نعجز عنها، فالإنسان مسلوب الإرادة فى أمور مُعينة، وهذا لحكمة المولى – عز وجل – حتى يضع الإنسان فى بوتقته الصحيحة، وقالبه الذى لا يخرج منه، وعلينا أن نُدرك هذه الحقيقـة، كما هى ؛ حتى لا نظلـم غيرنا ولا نُتيح الفرصة لغيرنا لكى يظلمنـا، ولا شك أن ما نضع فيه غيرنا فى النهاية، سيرد لنا، سواء قبلنا أم أبينا .