كعادتى مع إشراقة كل صباح وأهل الدار نائمون أنزل اجيب العيش والخضار الطازة والفول بالزيت الحار والطعمية السخنة من عند حسام . وما أن انتهيت من تجهيز لوازم الفطار ومازال أهل الدار نائمون قمت بعمل فنجان قهوتى السادة كالمعتاد .. وجلست فى أحب مكان إلى قلبى وهو بلكونة أوضة نوم مازن .. تأملت هذا المنظر الخلاب جيدا وكانت لا تزال أشعة الشمس الذهبية تتلألأ وتتراقص مع مياه ترعة المحمودية .. طالبات وطلبة المدارس على كوبرى سعفان ذاهبون لمدارسهم .. بدأ توافد الموظفين والعمال من القرى لأعمالهم بالمحمودية .. أضواء شركة الكهرباء بدأت تنطفى مع طلوع الشمس .. جزيرة الفوال تتوسط النيل الرائع بنخيلها وأشجارها .. أفراد مركز شرطة المحمودية منهم الذاهبون لعملهم ومنهم العائدون لمنازلهم .. الكوبرى الحديد الذى يربط بين شرق وغرب المحمودية يبدأ فى الازدحام المرورى لبدء مرور السيارات والتكاتك ذهابا وإيابا .. الجميع يمشى آمنا على نفسه وأهله ومال وبيته .. فقلت لنفسى ما تلك البلد الجميلة بأهلها البسطاء الطيبون .. المحمودية وناسها مثلها مثل كل المدن والقرى المصرية .. لا يعنيهم كلاكيع السياسة .. لا يعنيهم أصحاب المصالح ونشطاء السبوبة .. لا يعنيهم أصحاب الأجندات والأيديولوجيات .. لا يعنيهم مفكرى النخبة رواد الفضائيات ومرضى الشهرة .. لا يعنيهم خبراء وزياطين الفيسبوك و تويتر .. لا يعنيهم الا نعمة الأمان ولقمة العيش وان كانت شحيحة .. فقط يريدون وطن يأويهم ويقيهم من التشرد والضياع .. هم يعرفون قدر وطنهم وقدر جيشهم العظيم .. نجلس نحن على السوشيال ميديا نثرثر كثيرا عن القضاء الإدارى والدستورية العليا وعدم الاختصاص وأعمال السيادة وهم يشاهدوننا وأظنهم يقولون ما لهؤلاء القوم الفارغون الثرثاريون .. وفجأة وأنا شاردا تذكرت فنجانى القهوة السادة فوجدته أصبح باردا فقمت لأعمل فنجان آخر فتذكرت قول أحدهم لى أمس : القوالب نامت والانصاص قامت يامتر .. عاوزين يعملوا أبطال وهما أبطال من ورق .. ثم أردف لى قائلا : كل اللى أنت شايفهم دول عبارة عن بالونات من الهواء ترتفع قليلا ثم ما تلبس أن تختفى .. ومهما يشوهون ويضللون وصوتهم يعلا إحنا ثقتنا ف جيشنا بلا حدود .. وعارفين أن مستحيل أى قائد من المؤسسة العسكرية يفرط ف حبة رمل واحدة .. ومع بزوغ النهار كاملا وجلاء الظلام وصلت لقناعة مهمة ألا وهى : لا يستدرجنك أحد لمهاترات .. احترم من يختلف معك بموضوعية .. ولكن تجاهل سيئ النية .. لا ترد على شتام .. لا تجادل ضحايا الغيبوبة .. لا تشرح بديهيات .. اشتر دماغك .. السكوت متعة ف زمن الجعجعة .. وفجأة قطع صوت مازن ذلك الشرود مناديا .. بابا انا عاوز اشرب .. ف ارتمى ف حضنى وباسنى وقاللى صباحووو ورد يا بابا انا عاوز اقعد معاك فى البلكونة .. ف استكملت شرودى متأملا نيل المحمودية الجميل واستغرق مازن ف نومه مرة أخرى .