كانت فترة الخمسينات من القرن العشرين تمثل مرحلة الحلم، قرأت عنها كثيرا وسمعت لكثير ممن عاشوا تلك الفترة من الأهل والمحيطين، شاهدت ورأيت آثارها فى الأدب والفن بكل مجالاته وجميعه موثّق صوتا وصورة أو مطبوعا، تخيلت كثيرا أننى أحيا تلك الفترة. حيث الزهو والخيلاء والرومانسية وكل ما هو جميل وكأن الزمن توقف بمصر وأهلها سنوات عشر كى ينعم على أهلها ببعض مما تيسر من العطايا والمنح، وكان السؤال يراودنى لماذا الخمسينات بالتحديد؟
توصلت لاعتقاد يقينى أن خمسينات القرن العشرين بمصر شهدت تصاعد الحلمين المصرى والعربى وتزامنت مع نمو الأمل فى النفوس فى الخلاص من وضع بائس فُرض فرضا على الشعوب وقتها، فكانت فكرة الحلم ببساطة أنه إذا اجتمع الشعب على فكرة وحلموا بها وساروا على دربها، توحدوا فيما بينهم وتناسوا خلافاتهم ثم أبدعوا فى كل المجالات.. تجسّد الحلم واقعا معاشا
حلم الخمسينات كان واقع يناقض ما قيل عن تلك المرحلة فيما بعد لدرجة أن التناقض كان واضحا بين حكايات وكتابات من عاش الفترة بكاملها (وتحدث عنها) ومن رأى ولمس آثارها وبين من أدان النظام السياسى بعد ذلك، ونقد فترة حكمه كلها.
أيقنت أن لكل عصر معطياته ومتغيراته التى عاشها أهله وقادته وفرضت عليهم سياق سياسى وقرارات مصيرية، لم يكن يملكون منها فرارا وقتها. وأنه لا يحق لأحد الآن أن يتكئ على مقعده الوثير فى مكتبه أو بيته ثم يحلل وينقد وينتقد ما حدث ثم يكيل الاتهامات للفترة ولمن تبوأ الصدارة بها وفى النهاية ينفث دخان سيجاره فى وجوهنا.
مؤكد أننا قوم نُدمن النظر للنهايات ولا نحترم البدايات أبدا ولا نرى لها أهمية.