إن أهم ما يشغل الأسرة فى الوقت الحديث هو كثرة الشكوى من عصبية الأطفال، إلا أن لها عدة أسباب؛ منها أسباب عضوية خاصة بجسده، وأسباب أسرية خاصة بالأسرة نفسها، وأسباب تربوية خاصة بتربية الطفل وكيفية التعامل معه، وأسباب نفسية خاصة بنفسية الطفل ذاته، ومن ضمن الأسباب العضوية التى تزيد من العصبية عند الأطفال: زيادة إفراز الغدة الدرقية، ونقص الحديد، وفقر الدم فى الجسد، بالإضافة إلى النوم متأخرًا والاستيقاظ متأخرًا، كما أنه أحيانًا يعانى الطفل من مشكلة تأخر الكلام؛ وبالتالى لا يتحمل الاستهزاء به فيقوم بتحويل طاقة الغضب هذه عصبية.
للعصبية سمات يستطيع الآباء من خلالها أن يتعرفوا على طفلهم ما إذا كان عصبيًّا أم لا؛ هناك أعراض جسدية تظهر على مستوى جسده، وأعراض نفسية، وأعراض عقلية، وليس بالضرورة أن تظهر العصبية الجسدية فى "النرفزة" فقط؛ وإنما تظهر أحيانًا فى الأزمات العصبية، وبعض حركات الجسد التى لا يمكن التحكم بها، بالإضافة إلى سرعة تحريك جفن العين، واهتزاز الكتف الأيمن بصورة مستمرة، وأيضًا امتصاص الأصابع، وأيضًا من مظاهر العصبية الجسدية: توتر الطفل دائمًا فى الجلوس والقيام بسبب أو بدون سبب، ويصل إلى أن يكون سهل الاستثارة، كما أن الطفل يكون كثير البكاء، وهذا مما يدلل على توتره الدائم، وغيرها من الأعراض الجسدية التى يعبر بها الطفل عن حالة العصبية عندما لا يستطيع الكلام.
كما أن الدور الأكبر يقع على الأب والأم بالمنزل؛ وذلك لأن الصراعات الزوجية القائمة بين الزوج والزوجة ينعكس تأثيرها على الطفل؛ لأن الطفل بشر يحس ويشعر، ويفهم ويبصر، ويلاحظ ما يحدث فى المنزل من صراعات عائلية، فخيال الأطفال واسع جدًّا، لدرجة أن الطفل يتخيل نهاية العالم أمام عينه بسبب ما يحدث بين أبيه وأمه، وبسبب فقدانه الأمن والحنان من الطرفين يقوم بالتعبير عن إحساسه بالعصبية، وأن الانفصال بين الزوجين أكثر الأشياء تأثيرًا على الأطفال؛ لأن الزوجين عادة ما يكونان مدركين نهاية المطاف، لكن الطفل لا يدرك ما يحدث، إلا أنه يتصور نهاية العالم ونهاية حياته، كما أن من أكثر الأسباب التى تنشئ وتنمى العصبية فى الأطفال: الطلاق غير المبرر، وخاصة لو تعمد الأب تغيير صورة الأم عند الولد أو العكس؛ وذلك لأن الشخصية الإنسانية تُبنى على عاملين أساسيين، هما: الأب والأم؛ ولذلك إذا حدث طلاق، يجب مراعاة الأطفال؛ لأن كل ضربة يوجهها كل طرف للآخر تؤثِّر على الطفل قبل أن تصل إلى الطرف الآخر.
دور الأسرة فى التخلص من العصبية:
هناك أسبابًا تربويةً تساعد على زيادة عصبية الطفل فى الصغر؛ كطريقة الأب والأم، وأسلوب تربية الطفل ينعكس على شخصيته، والتعامل معه بطريقة متدنية؛ مثل استخدام القسوة فى التعامل مع الطفل والتعذيب، والنقد والتوبيخ والتجريح، خاصة أمام إخوته وأصدقائه، فماذا ينتظر الأب من طفل نضربه بالسوط، أو طفل يُحبس فى غرفة مظلمة بدون أكل وماء، أو طفل يلاقى كل أنواع التعذيب التى من الممكن أن يراها فى صغره، أو حتى طفل لا يسمع من والديه إلا الانتقاد فى كل دقيقة؟ كل هذا يؤدى فى النهاية إلى انهيار الابن نفسيًّا ومعنويًّا، ولا يجد طريقة للتعبير عن انهياره غير العصبية.
فيجل أن يساعد الآباء لأطفالهم فى التخلص من هذا السلوك السيئ؛ من خلال تحسين العلاقات الأسرية والزوجية، وبث روح التسامح والتعاون، ونبذ التعصب، والعمل على نشر الهدوء والاطمئنان داخل الأسرة، بالإضافة إلى العمل على التخلص من العصبية عن طريق إتقان فن التربية بالقصة، عن طريق قراء عن طريق قراءة القصص المتنوعة على الطفل قبل النوم، وإظهار الاختلاف بين القصص؛ كأن تحكى الأم لطفلها قصة ولد هادئ يمتلك صفات جميلة، ويكون اسم البطل فى هذه القصة قريب من اسم طفلها ونفس السن ونفس السمات والخصائص والبيئة المحيطة به؛ بحيث يتقمص الطفل شخصية هذا الطفل الهادئ الإيجابي؛ وبالتالى تتحول شخصيته من الشخصية العصبية إلى الهادئة الإيجابية المبادرة.