دائمًا تاريخ الإنسان، أو تاريخ عائلته، هو أكبر شفيع له، فهو بمثابة طوق النجاة وقت الخطر، وهو بر الأمان عند الغرق، فتاريخنا هو دائمًا ما نرتكن إليه عند الحاجة؛ لأنه يأتى ويدافع عنا، ويدفع عنا الشر، لذا على الإنسان أن يصنع تاريخًا له، ليكون سببًا فى بقائه حيًا، حتى لو ترك الحياة، وهذا التاريخ لابد أن يبدأ بالسيرة العطرة، والسمعة الطيبة، والذكرى النقية، التى تجعله مثار احترام الآخرين، فهذا هو الرصيد الحقيقى الذى يتركه الإنسان، والذى يجده عندما يحتاجه، فهذا الرصيد لا ينتهى أو ينفذ مهما أخذ الإنسان منه.
فالتاريخ الشريف هو الذى يصل بصاحبه لأن يُلقب بـ "العزيز"، وحينها تدور عليه الأيام والليالى، فلن يُذل أبدًا، فمن منا لم يسمع مقولة: "ارحموا عزيز قومٍ ذلَّ"، والتى قالها الرسول (صلى الله عليه وسلم) عقب بعض الغزوات، عندما وقف ليستعرض الأسرى، فوقفت امرأة أسيرة، وقالت: "يا رسول الله، هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن على منَّ الله عليك، وخَلِّ عنى، ولا تُشمت بى أحياء العرب، فإن أبى كان سيد قومى، يفك العانى، ويعفو عن الجانى، ويحفظ الجار، ويحمى الذمار، ويُفرج عن المكروب، ويُطعم الطعام، ويُفشى السلام، ويحمل الكلَّ (الضعيف)، ويُعين على نوائب الدهر، وما أتاه أحد بحاجة فرده خائبًا، أنا بنت حاتم الطائى"، فقال النبى (عليه الصلاة والسلام): "يا جارية، هذه صفات المؤمنين حقًا"، ثم قال: "خلوا عنها، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق"، ثم قال النبى (عليه الصلاة والسلام): "ارحموا عزيز قومٍ ذلَّ، وغنيًا إذا افتقر، وعالمًا ضاع بين جُهَّالٍ"، فاستأذنته بالدعاء، وقالت: "أصاب الله ببرك مواقفه، ولا جعل الله لك إلى لئيم حاجة، ولا سلب نعمة عن كريم قومٍ إلا جعلك سببًا فى ردها"، وهذه المرأة هى سفانة ابنة حاتم الطائى.
وسبحان الله، فتاريخ والدها يشفع لها حتى بعد وفاته، فهى ورثت تاريخه الذى أنقذها من الذل والمهانة، لذا احرصوا على صنع تاريخ، فهو الباقى لكم، والذى لا يموت مع موت صاحبه.