حين يتعلق الإنسان بالأمل فى الوجود الإيجابي، حين يوجد من أجل حياة أفضل، حين يسيطر على كل إحساس بالضعف، حينها يقهر الظروف و كل تفاعل سلبى معها، حينها تظهر قوته على التحدى وعلى التجاوز بل التعالى أو التسامى. إنه الشموخ الإنسانى الذى نجد فيه همة وسمو وعظمة.
كلما صعد الإنسان القمم أدرك ضعفه وعلم أنه كان نقطة تكاد لا ترى بالعين المجردة. وحين استطاع أن يتنقل عبر الفضاء أدرك كم كان تخوفه من السحب مجرد سحابة ذهبت ولم تعد بعد اختراقه لها.
إحساس الإنسان بالقوة أمام الظروف هو ما قد يميز بين بعضنا البعض، بل هو ما قد يجعل للصمود معنى، إيمانا منه أنه قلب الأسد المغوار، قلب ملك الغاب الذى لا يهاب صمت الغابة المخيف، ملك الغاب الذى إن زأر أخرج قدراته الكامنة فيه مظهرا سر قوته، وهى وسيلته لإثبات وجوده وتفرده كوجود قوى قاهر لكل الظروف.
قلب الأسد هو مفهوم مجازى يشير إلى القوة الكامنة فى كل واحد منا والتى على ما يبدو قد تصبح فى طى النسيان والتجاهل، كل واحد منا أسد فى قلبه من الصمود ما يكفى ومن الشجاعة و الإقدام على المواجهة ما يبهر وحوش الغاب. فهل هى قوة على المواجهة أو قوة الإيمان بالقدر المحتوم؟ وهل إحساس الإنسان بقوته هبة معطاة لدى البعض دون غيره؟ أم أنها صفة يقويها البعض وتتقوى مع الأيام؟
قد يشكو البعض من قساوة الظروف ومن الحرمان، وكأن من حقهم التمتع بما يتمتع به الآخر حينها تفوق رغبة الفرد إرادته وتتحول إلى إحساس بالعجز أو بظلم القدر، فينعم بالاستكانة ما يكفى ليترك أحلامه وراءه ويتحول فكره إلى نوع من العصيان، فتشح عاطفته على نفسه وعلى غيره ليعرف ببخل العطاء فيحول حياته لجحود وجمود ثم نرى فى حديثه سخط ونقم، ونسمع نبرة ضعف تجتاح صوته. لقد أقفل كل أبواب الانتظار، كبح كل الرغبات وتنحى عن كونه كائن راغب بامتياز.
كان على الانتظار أن يستمر لتستمر معه الرغبة فى الحياة، هو انتظار لأمل بعد عمل، ولكن ظن أنه وهم من الأوهام سطره التفهاء من البشر، وقرر أن الأمانى ماهى إلا أوهام نسينا أنها أوهام من كثرة الحديث عنها، ومن تم يبقى أن الانتظار ما هو إلا جرى وراء الوهم و رغبة فى ملاحقته...
والحقيقة لن يكون هذا سوى ضعف فيل قوى الجسد زرع فيه قلب ميت، يمشى مستعرضا عضلاته المفتولة تظهر جمالية الجسد فى شبابه و عظمته، لكنها تخفى شيخوخة تخلو من كل حياة تدخل البهجة والإحساس بالمتعة و الفرح.
لقد شاخ الفرد وإن كان فى عز شبابه، نراه يمشى بانكسار وضعف حتى وإن أمتعنا الجسد فى مظهره الخارجى لكنه أخفى عنا جوهرا لا علاقة له بجوهر الإنسان ككائن يخلق ظروفا غير الظروف ويصنع عالمه الممتع بلغته وقدرته على التخيل و التصور و التخطيط لعالم أفضل، كائن أثبت جدارته باستحقاق كمبدع أو كمخترع...
وهكذا فالعصيان هو عصيان للذات ولقدراتها وأحقيتها للسعادة هو تجاهل لصوتها و دفن بمراسيم معلنة وفق عقل لاعنا الظروف و الأحداث ... للأسف يبقى كل شيء عند الإنسان بالعقل، كل شيء مبرر و لكن بأية لغة غير لغة المتشرد الضائع الذى يهجو الزمان و من فيه...
قلب الأسد رمز لكل قوة كامنة فى الإنسان، حين تشتد الأزمات فى حياة كل فرد منا وتتراكم المشاكل ينتفض مستنكرا كل الظروف و معترفا بنفسه وبقدراته وكأنه يقول: "أنا قلب الأسد الذى لن يقهر". و كأنه يقول: " أنا لازلت موجودا، و أنا من سيطبع هذا الوجود بتجاهل الألم رغم قساوته، بل سأجعله الطعم الذى لا بد منه لتذوق السعادة، على أن أعلم أننى فقط أنا من يتعلم من الألم معنى السعادة، هى الوصفة التى اكتشفتها و كان على غيرى معرفتها ليدرك جمالية الحياة"
قلب الأسد إذن مصدر القوة الداخلية لمن يؤمن بأن لا سحابة تظل فى مكانها و أن استطاعت حجب الشمس عنا لكن كلما تحركت ترى النور يشع من جانبيها.
من يمتلك قلب الأسد يعرف أن بالألم نعرف طعم السعادة وأنه ليس ما يحدث له هو الذى يقرر مصيره بل كيف يرى الأحداث وأية دلالة يعطيها لها.
ستعود الكرة من جديد إلى مرماك لتعرف أنك أنت من يوجهها فى البداية، قد تصطدم وتسير وفق القدر لكن توقعاتك الإيجابية لن تخيفك من النتائج، على اعتبار أنك فاعل فى الأحداث وترفض أن تكون منفعلا بها.
قوة الإنسان مثل قوة الحديد هناك من يصدأ حديده فيضعف وهناك من ترمى به الأقدار ولا يستطيع مقاومتها ولكن القلب النابض من سيسمح بالاستمرار و سنسمع نبضاته القوية، لذلك فقلب الأسد رمز قوة الإنسان الداخلية فى مختلف محطات حياته بل حتى فى ضعفه قوة، قوة الإيمان بالقدر و قوة الدعاء لرفع البلاء و الإحساس بالاطمئنان فى فترة النقاهة ليعود من جديد قوة بعد علة.
بل هو الابتلاء الذى يصيبنا و أصاب حتى الأنبياء و الرسل كدليل على أنه ليس هناك ظلم للقدر كما قد يعتقد، بل أن الحياة جسر نمر عبره لحياة حقيقية أبدية خالدة، ومن يدرك هدفه أكيد لن يضل.
وهكذا هناك من يرى فى الألم نعومة التقرب إلى الخالق و طلب رفع البلاء وصلاح الحال، و هناك من يرى فيه قهر له و أن صلاح الحال من المحال، غير أن نوع آخر يفضل قراءة الفنجان و ينصب لنفسه عالم من الأحلام و كأن الحياة الوردية مليئة بالأمانى و التمني، و نسى أنها مجال للعمل و الجد بل و التحدى أيضا مع فكر قادر على قراءة الأحداث بالشكل الذى يسمح للحياة أن تكون أجمل.
أعود لأقول: قلب الأسد أحببت صوتك، أحببت رغبتك فى أن تكون و ستكون دقاتك من يجب أن تحافظ عليها كل ذات. أنت قوتها المعطاء و الحالمة بسخاء و بصيغة التحدى و بالقدرة على التجاوز من أجل غد أفضل. سوف نتعلم منك و أن ذرفت عيوننا دموعا و أن قست علينا الحياة، تعلمنا منها كيف نحبها وننعم بسعادتها، و أن أحسسنا بضعفنا استدعينا الجانب الأقوى بصرخة لننفض عنا الشكوى و الوجود المستكين أو أية رغبة فى نظرة عطف. سنتكلم سويا بلغة الفعل بزمن الحاضر على اعتبار أننا نعيش زماننا ولا نتحسر على زمن سوانا.
وبالتالى قلب الأسد هو من يستطيع أن يجمع بين قوة الإيمان بالقدر و قوة الفكر مع استخراج لملكات الفرد و العمل على تنميتها باستمرار، ذلك ما يجعل فى الوجود الإنسانى عظمة وشموخا.