الاحتراق النفسى يطلق عليه متلازمة التوقف، ويحدث الاحتراق النفسى عندما لا يكون هناك توافق بين طبيعة العمل وطبيعة الإنسان الذى ينخرط فى أداء ذلك العمل، وكلما زاد التباين بين هاتين البيئتين زاد الاحتراق النفسى الذى يواجهه الموظف فى مكان عمله، وقد يكون من أهم أسباب الاحتراق العمل بجهد كبير من أجل إثبات الذات وإهمال الحاجات الشخصية وعدم إعادة النظر فى تقييم الأصدقاء والأسرة والهوايات والمشاكل الناتجة عن السخرية والعدوان أيضاً، سواء كان فى جو العمل أو المدرسة أو المنزل، فيقود ذلك إلى الانسحاب من المجتمع مع الاستعداد للإصابة به فيعم الفراغ الداخلى ويصبح التوقف هو العنوان بما فيه من أفكار انتحارية وانهيار وهو ليس بما يعرف بالاكتئاب هو شىء مختلف ربما يحتوى فى جزء منه على الاكتئاب، فالتوقف لا يحدث دون ضغوط، والضغوط تعنى أن الأمر وصل إلى الذروة أى أنه تجاوز قدرة الشخص على التحمل عندها تكون النفس فى حالة صراع، ويظهر الموضوع وكأن كل الطاقات قد احترقت أو استنفذت ففى ضغط العمل.. يشعر الموظف بأن لديه أعباء كثيرة مناطة به، وعليه تحقيقها فى مدة قصيرة جدا ومن خلال مصادر محدودة وكثير من المؤسسات والشركات سعت فى العقود الماضية إلى الترشيد من خلال الاستغناء عن أعداد كبيرة من الموظفين والعمالة، مع زيادة الأعباء الوظيفية على الأشخاص الباقين فى العمل، ومطالبتهم بتحسين أدائهم وزيادة إنتاجيتهم، فمحدودية صلاحيات العمل أحد المؤشرات التى تؤدى الاحتراق النفسى هو عدم وجود صلاحيات لاتخاذ قرارات لحل مشكلات العمل.. وتاتى هذه الوضعية من خلال وجود سياسات وأنظمة صارمة لا تعطى مساحة من حرية التصرف واتخاذ الإجراء المناسب من قبل الموظف، فقلة التعزيز الإيجابى.. عندما يبذل الموظف جهدا كبيرا فى العمل وما يستلزم ذلك من ساعات إضافية وأعمال إبداعية دون مقابل مادى أو معنوى يكون ذلك مؤشرا آخر عن المعاناة والاحتراق الذى يعيشه الموظف بل انعدام الاجتماعية فيحتاج الموظف أحيانا إلى مشاركة الآخرين فى بعض الهموم والأفراح والتنفيس، لكن بعض الأعمال تتطلب فصلا فيزيقيا فى المكان وعزلة اجتماعية عن الآخرين، حيث يكون التعامل أكثر مع الأجهزة والحاسبات وداخل المختبرات والمكاتب المغلقة وعدم الإنصاف والعدل يتم أحيانا تحميل الموظف مسئوليات لا يكون فى مقدوره تحملها، وعند إخلاله بها يتم محاسبته وقد يكون القصور فى أداء العمل ليس تقاعسا من الموظف، ولكن بسبب رداءة الأجهزة وتواضع إمكانياتها ومحدودية برامجها، إضافة إلى إمكانية عدم وجود كفاءات فنية مقتدرة لأداء الواجبات المطلوبة ومن الممكن أن يكون هناك صراع القيم حيث يكون الموظف احيانا امام خيارات صعبة، فقد يتطلب منه العمل القيام بشىء ما والاضطلاع بدور ما ولا يكون ذلك متوافقا مع قيمه ومبادئه.
وتكثر أعراض الاحتراق النفسى فى أوساط المهن التى يكون فيها التعامل مع الجمهور، والتى عادة تتطلب مواجهة مباشرة أو استيعابا دقيقا لآراء واتجاهات الناس، والتى تعد محكا أساسيا فى تقييم أعمال المشتغلين بتلك المهن . ولاشك أن المتخصص فى علم النفس يقع ضمن هذه الشرائح المهنية التى قد يعانى أصحابها من درجات معينة من الاحتراق النفسى . ومن أهم السمات التى قد تؤدى إلى المعاناة الاحتراقية فى حقل الممارسة من وجهة نظرى هى مقابلة عملاء فى اضطرابات نفسية فى ظروف عمل غير مهيأة أو توقعاتهم لأدوار مختلفة مع عدم وجود وعى بدور المرشد او الاخصائى او الطبيب النفسى .
ويأتى السؤال الحتمى هل يمكن تجاوز التوقف ؟ نعم لابد أولاً من الاعتراف بالمشكلة، ومعرفة الضغوطات التى يتعرض لها الفرد فقد تكون هناك جوانب من العمل لا تمتعه أو ربما يعمل فوق طاقته أو أشياء أخرى يجدها فى داخله علاجات اليوم كلها تعتمد على روح الإنسان وداخله، لذا لابد من العودة إلى الداخل لتصفية الحساب معه، فليس وسام شرف للفرد أن يعمل عشرين ساعة فى اليوم مثلاً كما أنه ليس وسام شرف أيضاً أن يلاحقه عمله إلى المنزل ولا يستطيع الفصل بين الحياة الخاصة والعمل .
(علينا أن نصنع لحياتنا روتيناً يومياً، ولا بد أن يكون ضمن روتيننا هذا أخذ حاجتنا من النوم )
إن من أهم العوامل التى تساعد على التخفيف من هذه المشكلة هو معرفة النفس وإقامة علاقات متوازنة مع الأسرة والأصدقاء. لابد من استعادة التوازن الداخلى واعتبار المصالح الشخصية فى أولوية الخيارات. إذا كان صوت الهاتف يزعجك فى المساء اقفله، أعط لنفسك حقها دون السؤال عما حدث فى الأمس أو اليوم، أحياناً تأخذنا المتاعب والسعى دون أن ندرى فنصل إلى مرحلة ننتبه أننا خرجنا عن المألوف لدينا . نقف لنقول لأنفسنا : كفى إلى أين ؟ فى تلك اللحظة يكون الإنذار الداخلى قد تلقيناه وسمعناه، لكن فى بعض الأحيان يتكرر ذلك الإنذار ولا نعيره انتباهاً بل نمضى فيما نحن فيه فإذ بصلاحيتنا تنتهى لأننا ورقة احترقت ، لماذا يحدث هذا ؟ نحن نحرق أنفسنا بإرادتنا . لنراجع أنفسنا فى كل يوم لعدة دقائق . لنتأمل مبتعدين عن هموم الحياة لنسترخى فى وقت راحتنا، ولا نشعل فتيل البحث عن المستحيل كى لا نحترق وحتى عند البحث عن الذات والأهداف المشروعة، لابد أن نتعامل معها بهدوء كى نستمر.
حاولت أن أسأل بعض الأشخاص عن الاحتراق، وقبل أن أشرح لهم قال أكثرهم : هذا هو التعبير المناسب : إننا فى حالة احتراق . هل تشعرون بذلك ؟ نعم كلنا لدينا احتراق قد يكون كبيراً أو صغيراً لكنه لم يصل إلى مرحلة إيقافنا عن العمل وعن الحياة . لذا لابد أن تطفئوا حرائقكم اليوم قبل غد ! !