تعددت ثغرات الانفلات الأخلاقى لتتواطأ على تغيير أخلاقيات دائما ما اعتمدناها كمنهج ونموذج دون أن نستوقف أنفسنا لنتعرف على الأسباب التى جرفتنا لنجبر على مواكبة هذه النتائج ونتواجد على سفينة عمتها معانى كفيلة أن تغرقها ليبتلعها المحيط.
هنا .. تتوارد الخواطر ويعاد ترتيب الأفكار، وتثأر هواجس الوسوسة، كيف وصل بنا الحال إلى ذلك المفترق؟! بل لم اخترنا طريقا عمته منحدرات أرسلت أخلاقياتنا إلى اللاعودة؟! وهل لتلك التساؤلات من جواب؟!!.
ما نحن بصدد تخلل تفاصيله وتسليط الضوء إلى أركانه، هى تلك العلاقة الفريدة من نوعها التى لا تخضع لقواعد ولا تسن لها قوانين، استمدت ماهيتها من ذلك الحب الغريزى الذى وضعه الخالق فى قلوبنا، والوفاء الذى فطرنا عليه منذ نعومة أظفارنا، وطاعة أديناها رغبة لا رهبة، وأناس اعترفنا لهم بالفضل وردا.
لننتبه إلى صورة تتكرر بين الفينة والأخرى، من بعيد ... هو صغير ينتهك جدار الحياء أمام والديه، ليعلو صوته مبررا فعله، فننهال عليه بألسنة العتاب والتوبيخ، دون استقطاب الأسباب على طاولة الحديث، لنتحرى عن تلك الخيوط التى تشابكت، لتعطى العلاقة بين الوالدين وأبنائهم ذلك التعقيد الذى يشوبه كثيرا من التوتر وعدم التناغم، لتفرض نظرية أيدها المنطق، تمثل برهانها فى ما يواكبه كل جيل من تطور إلى التقيد بسلاسل القديم وامتثال الخاطئ منها.
ولكى يتخذ الأنصاف مكانه ويعلى الحق كلمته، فإننا نطرح كلا وجهى تلك العلاقة، الجيد منها والسيئ، لنجد أن التفاهم والحكمة هما الطبع الغالب لأى عائلة مترابطة قوية، يعززها الحب الذى يكنه كلا الطرفين للآخر لننتقل من ألوان قزح إلى أبيض اقتطع منه الأسود ما استطاع، ليسود الخلاف ساحة الحوار، وتتصادم وجهات النظر وتتفوه الألسنة بما يوجب الندم، ويسيطر الحنق على النفوس، وتسود الوجوه عبسا، ويزول التفاهم وتختفى الابتسامة,لتزداد يقينا أن ذلك إثم تشارك فيه الوالدين مع أبنائهم عندما فشلو فى إعانتهم على طاعتهم.
ومع تعدد الأسباب فإن النتيجة تأبى الانقشاع إلا بزوالها,مثيرة غضب الأبناء، فتنجرف مشاعرهم إلى عصيان أشبه بالإعصار، قد يؤذون به أنفسهم ومن حولهم، لتختفى الغنيمة وفقط تبقى الهزيمة,ليكبت ذلك طموحاتهم ويكبل إرادتهم ويشوه أحلامهم، وما ذلك إلا جراء قدم الفكر وضيق الأفق لدى بعض الآباء، عوضا عن تصدى البعض منهم أيضا إلى أحلام أبنائهم الشابة، محاولين جعلهم أداة يحققون بها ما فشلوا هم فى تحقيقه.
لذا فإن عقوق الوالدين لا يقع على عاتق الأبناء فقط، وإنما تضمن عجز الوالدين عن تدعيم واجب الأبناء ليستحقوا هم الطاعة، ومع ذلك فأنا لا أهون من بشاعة الخطأ الذى يرتكبه الأبناء، فأبرؤهم من جرم ربما لم يتعمدو الوقوع فيه، لكن أزيل ما تناثر عن واقع انعكس على مرآة أعطينا نقدا مسبقا لصورتها,محاولة التطرق إلى إبراز محاور القضية وتفهم ترادفاتها,لنتوصل معا إلى لب التضاد الذى اعتادته السيادة، ولتصحيح مفاهيم لدى من تملك القصور.