أشرنا فى الجزء السابق عن قدرة مصر فى عهد محمد على باشا على المساومة التجارية، لتوضيح معنى العبارة أكثر، فكانت السياسة الاقتصادية آنذاك والخاصة بالتعامل التجارى (الاستيراد والتصدير) تخضع بالكامل تحت سيادة الدولة، أو بالمفهوم الحديث نسبيا، تحتكر الدولة جميع العمليات الخاصة بالاستيراد و التصدير .
كانت الميزة الأساسية و الرئيسة فى نظرية الاحتكار تلك تكمن فى التالى، أن الدولة هى المتحكم الأساسى فى عملية التبادل الدولي، ما تحتاج أن تصدره الدولة و ما تحتاج أيضا أن تستورده، و تتحكم أيضا فى أسعار كل من الواردات و الصادرات، فحيث كان الأمر فى يد الوالى ( محمد على ) فكان يستطيع أن يحصل على الواردات بأقل الأسعار نظرا لعدم وجود فرص طلب كثيرة ( طلب واحد فقط )، و كذلك أيضا بالصادرات حيث كان يستطيع الحصول على أعلى سعر، نظرا لعدم وجود عرض من جوانب عديدة.
أضف أيضا إلى ما سبق ذكره قدرة الدولة فى تلك الفترة على السيطرة الكاملة على الميزان التجاري.
كانت خطة محمد على فى التنمية و النمو أعظم التجارب الاقتصادية بتاريخ مصر الحديث، وهنا يجدر بى الإشارة إلى أننى أتحدث فقط على الجانب الاقتصادي، ولا أتطرق إلى السياسات الداخلية و المعاملاتية للدولة .
وليس معنى ذلك أيضا أن مصر لم تشهد فترات اقتصادية طاحنة، ولكن كما سبق وأوضحنا، أنه لابد أن نشيد بفكر محمد على فى رفضه فكرة الاقتراض المفتوح.
إذن، لماذا الأزمات فى الاقتصاد وكيف كانت سياسة الوالى فى حلها !
كانت سياسة محمد على فى حل أزمات مصر الاقتصادية، تعتمد فى المقام الأول والأخير على الحل الداخلى، حيث كان يقترض داخليا من خزانة الدولة فى الفترات الصعبة، وكانت فى بعض الأحيان تكون نتيجة ذلك أن الدولة لا تستطيع سداد مرتبات موظفيها، فكانت تصرف لهم أوراق تثبت حقهم فى نسبة الأموال لدى الدولة، أى سندات دائنة للدولة، وبعد انقضاء تلك الفترات الاقتصادية العصيبة كانت تعود الأمور كما كانت فى سابق عصرها.
وبذلك وعند نهاية العام 1849، لم تكن مصر مدينة بمليم واحد لأى دولة أخرى، وهى الفترة التى لخصها الكاتب الاقتصادى الكبير جلال أمين بفترة ( تنمية بلا ديون ).
رحل محمد على ( الوالى ) عن العالم فى العام 1849.
ومن هنا يبدأ الجانب المظلم من الرواية.
وللحديث بقية ..