مُشكلة الكثيرين، هروب الكلمات من ألسنتهم، حينما يتعرضون لموقف أو لفظ جارح، فهنا تتلعثم الكلمات على شفتيهم، وتهرب المعانى من عقولهم، فلا يجدون ما يردون به الإهانة أو الجرح، أو ربما يردونها بأكبر من حجمها، أو بطريقة غير لائقة، تجعلهم يتحولون من مجنى عليهم إلى جُناة؛ لأن رد الفعل كان غير متناسب على الإطلاق مع الفعل، وهذا عادة ما يحدث بسبب شتات الذهن، والرغبة السريعة فى رد الإهانة؛ حفاظًا على الكرامة، وصونًا للكبرياء.
وعُمومًا، فإن عدم الرد أو الرد المتجاوز كليهما يضع صاحبه فى موضع حرج، وينال منه أمام الآخرين، فالإنسان لابد له أن تكون لديه سرعة البديهة، وذكاء الرد الذى يتناسب مع المواقف مهما كانت صادمة. فللأسف، أحيانًا تأتى الإهانة من أشخاص يملكون القوة أو النفوذ، أو حتى القدرة على التلاعب بالكلمات والألفاظ، وهنا يظن الإنسان أنه عاجز عن رد إهانته؛ نظرًا لقوة قرينه، ولكن أيًا كان مصدر الإهانة، فمن الممكن ردها بمنتهى الذكاء، لو أحسن الإنسان استعمال عقله ولسانه.
والدليل على ذلك، موقف طريف صدر من كاتب شاب، كان قد ذهب إلى الروائى الفرنسى العالمى الشهير "ألكسندر دوماس"، مؤلف روايتى (الفرسان الثلاثة) و(غادة الكاميليا)، وغيرهما من القصص العالمية الشيقة، وقد عرض هذا الشاب على الروائى العالمى أن يتعاونا فى كتابة إحدى القصص التاريخية، وفى الحال أجابه "ألكسندر دوماس" بسخرية، وكبرياء: "كيف يمكن أن يتعاون حصان وحمار فى جر عربة واحدة؟!"، فرد عليه الشاب على الفور: "هذه إهانة لا تستحقها يا سيدى، إذ كيف تسمح لنفسك أن تصفنى بأننى حصان"، وهذه هى الإهانة المقنعة، فهذا الشاب استخدم ذكاءه فى تغيير المعنى الذى قصده الروائى الشهير، وأظهر له استنكاره من إهانته لنفسه.
والحقيقة، أن هذه هى المشكلة التى تواجه الطرفين، القوى والضعيف، فالقوى يظن أن بإمكانه إهانة الطرف الضعيف، والنيل منه، دون أن يناله أى ضرر، فى حين أن الضعيف يظن أنه عاجز عن رد الإهانة التى نالته، ولكن فى الواقع، من يملك الفطنة والدبلوماسية الفكرية، يمكنه أن يدفـع عن نفسه الأذى، وأن يرد إهانته بمنتهى الهدوء والذكاء.