يبدو أن هذا الرجل قليل الحظ كسائر أقرانه من الثوار، فلم يعطه التاريخ حقه ولم يكتب عنه إلا القليل، وأنى كلما كتبت عنه وحاولت النشر كانت تبوء محاولاتى دائما بالفشل .
كنا فى مقتبل العمر مبهورين بحياة عبد الله النديم وكفاحه واستخدام قلمه وأسلوبه اللاذع كوسيلة من وسائل الزود عن الوطن، فكان نصيرا للثورة العرابية خطيبا ومتحدثا باسمها لاذع الأسلوب الذى لا يخلو من الفكاهة والظرف، وقد لاقى من العناء ما لم يلاقيه بشر فى سبيل رسالته التى كرس حياته من أجلها.
ففى الصف الثالث الإعدادى طلب من كل واحد منا مقالا أو بحثا لينشر فى صحيفة مدرسية مطبوعة تنوى المدرسة إصدارها فى نهاية العام الدراسى، فما كان منى إلا أن كتبت عن النديم بأسلوبى المحدود فى ذلك الوقت مستعينا ببعض الكتب كمصادر للموضوع، منها كتاب للراحل محمود السعدنى عن ظرفاء مصر ومنهم النديم ولم يحظ مقالى بالنشر.
لقد كان النديم فقيرا بسيطا ابنا لخباز بالإسكندرية حفظ القرآن وتعلم مبادئ الفقه الإسلامى على يد شيوخ عصره، وأتقن الشعر وفنون الزجل، وأصدر العديد من المطبوعات التى أقلقت حكام عصره فناصبوه العداء وظل يتنقل فى ربوع وقرى مصر هاربا خشية البطش متخفيا فى زى شخصيات شتى حتى وشى به وقبض عليه ونفى خارج البلاد، وظل طيلة حياته منبوذا مبعدا عن وطنه مريضا بأشد الأمراض فتكا حتى وافته المنية غريبا شريدا.