أحيانًا يُردد البعض الكثير من الأقاويل التى تخلو تمامًا من المنطق، ولكن رغم عدم منطقيتها، إلا أننا نُصدقها، وربما نُكررها أيضًا، وبمُنتهى الثقة، والسبب فى ذلك، يرجع وببساطة شديدة، إلى قوة المتحدث، ولهجته الواثقة، والشعور بالزهو الذى ينشره على من حوله، لدرجة تجعلهم يُنَحُّون عقولهم جانبًا، ويُصدقون أقواله، دون أن يدعوا لعقولهم الفرصة لكى تُفَلْتِر أقواله، وتُمررها على ثنايا المنطق.
والحقيقة أن هذا هو السبب المباشر فى انتشار الخرافات، وتزايدها واستمرارها لسنوات طويلة، وربما لقرون أيضًا؛ لأن مردودها اعتمد على تغافل عُقول من حوله، مع استخدام الأسلوب الذى يُذهب العقل، ويصنع حالة من الانبهـار والدهشة المُثيرة بداخل الآخرين، ولكن لا خلاف على أن من يستعمل عقله، ويحاول أن يُفكر فى كل ما يُردد أمامه من أقوال، قطعًا لن يكون ضحية الخرافات، والفانتازيا المُفتعلة.
وهذا يُذكرنى بعالم ألمانى قال لزميله بلهجة يملؤها الفخـر والزهر: "لقد اكتشفت مادة تُذيب كل شيء، الخشب، الحديد، النحاس، الزجاج، كل شيء بلا استثناء"، فأجابه زميله قائلاً بمنتهى الهدوء: "تهنئتى... ولكن هل لى أن أعرف، فى أى إناء وضعت هذه المادة ؟! ".
وبالقطع، فهذا الرد كفيل بأن يُثبت أن هذا الشخص رفض الانصياع لحالة الإبهار، التى أراد هذا العالم وضعه فيها ؛ حتى يغيب عقله عن سذاجة حديثه ؛ لأنه لو صدق حديثه، فلا يمكن وضع هذه المادة فى أى إناء ؛ لأنها قطعًا ستذيبه.
إذن، فالمسألة فى غاية البساطة، لكى نرحم أنفسنا من حالة الإبهار والخداع، فلابد أن نُمَنْطِق الكلام، قبل أن نُصدقه ونُردده.