ما تشهده بلادنا هذه الأيام لا يغيب على أحد ويمكث الكثيرون عنده طويلا متعمقى الفكر به، بهدف الوصول إلى تفسير يرضى غرورهم، فهل هذا هو الشعب المصرى الذى يتغنى بحضارته وأمجاده؟، هل هذا هو الشعب المصرى الذى علم العالم؟، هل هذه السلوكيات والتى اشتهرت بالانفلات الأمنى فى بلادنا وكان الأمن هو من يسيطر علينا وعلى سلوكياتنا؟.
الغريب فى الأمر أن السلوكيات المعيبة والمشينة والغريبة على مجتمعنا فى نفس الوقت والتى أصبحت سمة سائدة هذه الأيام، لم تكن حكرا على فئة معينة دون غيرها، بل امتدت لتطال فئات عديدة، وكنا نظنها راقية فى مجتمعنا، إلا أننا فوجئنا بعكس ذلك، وإن اختلفت وسائل هذا الانحدار والانفلات الأخلاقى، فهل ثمة علاقة بين الانفلات الأمنى والانفلات الأخلاقى؟؟ وما هو السابق على الآخر والمحرك له؟.
أظننا كبشر أسوياء زودنا الله بعقول ميزنا بها عن غيرنا من باقى المخلوقات، لا نحتاج لغيرنا من أمثالنا من البشر حتى نسلك ونتصرف السلوك الذى يتحدث عنى وعن بلدى وحضارتى، وليس أقل مما نسمع عنه فى دول لا تعرف الإسلام، ولكنها أخذت منه الأفعال واكتفينا نحن أصحابه وأمته منه بالأقوال من أن نجد سائق تاكسى فى آخر الليل ولا يوجد زحام ولا شرطى مرور وفجأة أضاءت الإشارة الحمراء فوقف ملبيا، حيث اعتاد على احترام الذات فاحترمته الدولة ومن ثم احترمت الأمم الأخرى دولته.
إذن هناك مشكلة أخلاقية نعيشها ويجب أن نعترف بها ولا يسعنا المجال للتحدث عن أسبابها، فما أكثر هذه الأيام من الحديث عن الأسباب والشماعات وتركنا السلوكيات والفاعلين للأسباب أنفسهم.
لم نتطرق فى أحاديثنا عن أنفسنا، فجميعنا صار ناقدا للآخر موجها له اللوم على ما وصلنا إليه ونسى هؤلاء أن الجميع موبوء حتى الإيجابيون منا وذوو الأخلاق الحميدة الذين لا يرضيهم هذا الأمر، فلا تكفينا غضبتهم ونجعلهم مع هؤلاء سواء، ولكننا ننحنى لمن يكون لغيره قدوة ومثلا بالفعل ليس فقط بالقول فما أبلغ من الفعل ليقتدى به وليس أهون من الكلام لنركله بأقدامنا ونجعله وراء ظهورنا.
وقد قال ربنا عز وجل:(يا أيها الذين أمنوا لما تقولون ما لا تفعلون . كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون).
إذن فإننا كنا ننتظر فى حالة هذا الانفلات الأمنى أن تظهر معادننا وتغلبنا حضارتنا، ونستمد من ديننا قوتنا ونرى الكون كله منا الخير كله فيغلب علينا الالتزام الأخلاقى، هذه كانت أمنيتى فى مصر ومن يقطنون ويعيشون فوق ترابها ومن يستظلون بسمائها ويشربون من نيلها.
فالمكاشفة والصراحة تقول إن هناك خللا أخلاقيا قد استشرى فينا وعلت هامته حتى صار يمثل للغيورين من أبناء هذا الوطن هما كبيرا وحلما بإزالته مستحيلا، وأنه قد تحين الفرصة ليظهر وعندما وجدها فوجئنا بأنه قد قفز فى وجوهنا دون حذر أو تنبيه منه لنا والاعتراف بالحقيقة وبالمرض أولى خطوات النجاح فى العلاج، وأننى أرى أنه ليس مستحيلا ولكنه قد يكون أمد تحقيقه طويلا فما أصعب من بناء الأخلاقيات وإصلاح السلوكيات، فقد يستغرق الأمر وقتا طويلا ولكن بشرط أن يأخذ كل منا عهدا على نفسه أن يبدأ بنفسه ومن يعول، وأن يبنى لديه قناعات بذلك، وأنه يمثل داخله وطنا يسمى مصر وما أدراك ما اسم مصر، فإن نجحنا فى ذلك أظن أننا قد نكون أفضل مما يتوقع أكثر الحالمين منا .........