حين نكتب عن الأم تعجز الكلمات عن التعبير، فالأم عطاءٍ ورؤى ورمزًا للتفانى وإنكار الذات، الأم الوطن، والوطن الأم، لا انفصال بينهما، فكلاهما نحيا بين حنايا قلبه؛ الأُم العالم الأكثر رحابة وآمنًا واطمئنانًا وأغلى كنزا فى الوجود، ولا نعرف قيمة الأم ومعاناتها إلا بعد أن نغدو آباء وأمهات.
ومن الأقوال المؤثرة بالغة الدلالة لعذابات من فقد حنان أمهِ، ما كتبه التلميذ أسامة أحمد محافظة سيناء، ماتت أمى ومات معها كل شىء؛ صغار وكبار بحاجة دائمًة لعطف الأم، فهى العصا لكفيف يتوكأ عليها، وهى اليد والقدم لذوى الإعاقة، وبرحيل الوالدين تُصبح الدنيا موحشة، فالإنسان مهما تقدم به العمر يظل بحاجة إلى دفء الأم، كما كتب الشاعر الفلسطينى محمود درويش، أحنّ إلى خبز أمى، وقهوة أمى، ولمسة أمى، وتكبر فى الطفولة يوما على صدر يوم، وأعشق عمرى لأنى إذا متّ، أخجل من دمع أمى.
والقرآن الكريم أوصى بالوالدين ورفع مكانتهما فى أكثر من موضع وبالوالدين إحسانا، وإكراما وتبجيلًا لعظيم شأنهما، حتى وإن كانا على دين مغاير للأبناء، وخص الرسول صلى الله عليه وسلم، بأحقية الأم فى الصحبة ثلاث مرات، بينما جاء ذكر الأب مرة واحدة.
ومن الوصايا بالوالدين فى المسيحية، أكرم أباك وأمك تطول أيامك على الأرض؛ ويقول نابليون، الأم تهز المهد بيمينها، وتهز العالم بيسارها، فالأمومة قوة تحفز لفعل المستحيل؛ ومن الموروث الشعبى للحكاية، قصة خيالية مُؤلمة للإرشاد التربوى فى النفس، القصة وردت فى كتاب سنابل الزمن، وقد صاغها الشاعر اللبنانى إبراهيم المنذر فى قصيدته الرائعة قلب الأم، تحكى القصة أن شاباً أحب امرأة شريرة، أحبها حتى الولعُ بها، فطلبت منه بأن يأتى لها بقلب أُمهِ دليلاً وبرهانًا على صدق حُبهِ لها، فيذهب الشاب ويقتل أمهِ، ويأخذ قلب أًمهِ عائدٍ على الأثر، وبينما هو فى طريقهِ إِليها تلك المرأة الشريرة، يتعثر ويسقط من أعلى صهوة جوادهِ فيتدحرج على الأرض، فيهتف قلب أمهِ الدامى وهو معُفر بالتراب، ولدى حبيبى هل أصابك من ضرر؟، وعندما ينتبه لفعلته النكراء والمشينة، يندم ويبكى ويقرر الانتحار، واستدل خنجره لكى يطعن نفسه، ناداه قلب الأم هاتفًا، كُف يدًا لا تطعن فؤادى مرتين على الأثر.