يؤمن البعض أن البشرية جُبلت على الحب والتحليق حول معانيه، ولذلك فعندما يحاول الإنسان التعبير عن المشاعر الذاتية فى أعماقه فهى لا تؤدى به إلى حالة الصفاء الذهنى فحسب بل تمكنه من التخلص من الضغوط الحياتية وتحسين أسلوب المعيشة اليومية والحياة، فالحب أحيانا يظنه البعض أنه عدو التفكير، حيث يقوم المحب باقتراف بعض التحركات التى يجافيها التعقل، وهو بذلك يرى أن الحب يؤدى إلى اليقين الكامل وأقصد باليقين هنا هو ذلك الإحساس المخبأ فى الكلمات يأتى بحفاوة الشعور التى لا يمكن أن يعتريها النسيان أبدا، ولأن فى بدايات الحب الاختيارات معدومة فى الغياب ويتسع القلب حينها لكثير من الصمت والأسئلة مترادفا مع الظن أن الحبيب حلم مستحيل تكراره، ونأتى هنا لأزمة منتصف الحب، حينما يقف المحب بين الحيرة فى التقدم بكل طاقته وصولا لهدفه أو المكوث فى مكانه قلقا من عثرات الحياة وانطفاء الوهج الداخلى والإقبال ورؤيته الطرف الآخر بشكل أفضل وأوقع، مع اكتشاف أن الحب ليس كله سعادة بل يمكن وكثيرا أن يحمل الحب كثيرا من الوجع لأن الحب يتعامل مع المناطق الوجدانية التى تشعر بالألم والوجع المعنوى بسرعة كبيرة وبشكل سريع.
وتظهر أيضا مشكلة الانكفاء على الذات والأنانية فى الفعل والقول، ففى الحب تكون سيطرة خيوط الطاعة أكثر بكثير من سيطرة تقديم حلول للحالة الراهنة وتطفوا استبدادية الحب ويقع المحب بين تنفيذ العهود والمواثيق العاطفية والاتفاقات الفردية وما بين تنفيذ الصواب استمدادا من الخبرة الحياتية والأعراف والعادات، وحينها يتقوقع المحب داخل شرنقة أنا لحبيبى فقط ولا مجال للتفاعل مع كل نواحى الحياة وتمر عليه الفرص الحياتية الكثير والتى يمكن أن يندم عليها لاحقا وبعد فترة كبيرة سيرى كيف كانت الأنانية طوق خانق للنجاح.
وتظهر أيضا فى أزمة منتصف الحب استمرار التنازلات النفسية والقلق والخوف من الفقد والخوف من الابتعاد والهجر، ما يؤدى إلى محاولة التشبث بجهد كبير وصنع ما لا يمكن أن تتوقع أن تصنعه فى حالتك الطبيعية، بجانب ظهور أزمة (الحب السوى) والقصد هنا أن مقصديه الحب إن لم تؤدى إلى محاولة التواجد فى الكنف طوال الحياة بميثاق غليظ يؤدى إلى إنتاج بيت قائم على الرضا والحب فى مجتمع سوى تخلص من كل آثامه الفكرية لكان الحب حينها حب غير سوى يحمل مقاصد أخرى.
ونشير أيضا إلى أزمة أخرى وهى أزمة سرقة الوقت والمشاعر وتعطيل القوى الدافعة للانجاز البشرى فالمحبة هى النهاية القصوى للمودة، والمودة تستتبع أن يكون هناك مواقف ومعرفة جيدة بالطرف الآخر خلال عامل زمنى كبير هذه المودة تقضى فعليا على فكرة مباغتة الحب وسرعة انطلاقه، وبذلك يعيش المحب فى صهريج نفسه وحبيبه ولا ينظر لعامل التوقيت وتسرب الزمن من بين نبض قلبه ويديه، كما أنه يصاب بخمول عام للإنجاز البشرى، وعلى اتجاه آخر نجد أن أزمة ما تطل برأسها عندما نناقش أزمة منتصف الحب وهى أزمة التجارب السابقة فالبعض الذى اختمر الحب فى حياته قد ساق نفسه سابقا فى تجربه أو أكثر فى الحب وخرج منها يجر أذيال الخيبة فقد كان فى علاقته السابقة أو علاقاته السابقة لا يريد أن يعيش على هامش الحياة ولا ينتسب لقبيلة المحبين ولذا يقوم البعض بالدخول فى معترك الحب الأول أو الحب الزائف أو الحب بمعانية المختلفة وعندما تنتهى تلك العلاقة وما أكثر انتهائها يدخل فى علاقة أخرى لديه رصيد من اجترار المواقف والصعوبات يجعله بعد تذوق حلاوة البدايات يقف لبرهة مفكرا فى ماهية الحب وغرضه.
وإذا أردنا أن نقدم حلا لتلك الأزمة التى يتفرع منها مجموعة من الأزمات فلن يخرج من إعمال العقل مع القلب عند الاختيار الجيد والصحيح، بجانب أن يضطلع كل طرفى العلاقة بواجباته نحو الطرف الآخر نحو الارتباط على سنة الله ورسوله.