أنْ تَبتكر فهذا معناه تسخير طاقاتك جميعها لخدمة هذا الابتكار، لكى تخلق حالة خاصة لم يسبق لأحدٍ غيرك العمل عليها، بعدها يُطلق عليك مُبتكر، إذن فلسفة الابتكار فى حد ذاتها جوهرها يعتمد على فِكر الانسان ومدى قدرته على الإبداع فى أى مجال من مجالات الحياة.
كانت هذه المقدمة ضرورة حتمية لما أود طرحه فى هذا المقال ، فقد انتهيت من مُشاهدة الفيلم الأجنبى That Means War ، وهالنى ما رأيت ؛ لأنَّ الفيلم له نُسخة مصرية مُطابقة له فى معظم تَفاصيله وهو فيلم " جوازة ميرى " لياسمين عبد العزيز وكريم عبد العزيز ، وحسن الرداد .
الاقتباس حدث مرارًا وتكرارًا من قبل ، حتى مع الأفلام الأمريكية القديمة، فقد يُعاد تقديمها مرة أخرى مثلما حدث مع فيلم سابرينا الذى تمَّ عرضه فى أوائل خمسينيات القرن الماضى ، وأُعيد تقديمه مرة أخرى فى منتصف تسعينيات القرن الماضى ، أى بعد أربعين عامًا ، ورغم أنَّ فكرة الاقتباس فى حد ذاتها من وجهة نظرى هى إفلاس فنى ، إلا أنها فى بعض الأحيان تكن مطلوبة ؛ لإعادة إحياء عملٍ ما، له من الأهمية الشئ الكثير، وتُصبح فكرة إعادة إحيائه مرغوبة جدًا، من أجلِ تَعريف الأجيال الجديدة بهذا العمل المُمتع .
لكن أنْ يتم تقديم عمل مُقتبس عن عمل أجنبى بشكل " حرفي" ، وبين العملين عامين فقط - لأنَّ النسخة الأجنبية تم تقديمها فى 2012، والنسخة المصرية فى 2014 - هذا هو الإفلاس الفكرى بعينهِ ، فلم يكتفِ مُقتبس العمل المصرى بأخذ الفكرة فقط، بل قامَ بعرضِ تَفاصيل مُشابهة لحد التَطابق مع النُسخة الأجنبية ، ولا أدرى ما الإبداع أو الابتكار فى هذا العمل.
قِس على ذلك ، أعمال عديدة فى مَجالات مُختلفة، أنا لم اتَّخذ هذا الفيلم إلا كنموذجٍ على الفكرة المطروحة ؛ لأنَّ مُشكلة الاقتباس الحرفى مَرضٌ يُعانى منه مُجتمعنا فى شَتَّى مَناحى الحياة، فالاقتباس الفكرى يَتخذ أشكالاً عديدة فى مجال الكتابة، أو البحث العلمي، أو فى المجال الفنى .
لا مانع مُطلقًا من أنْ تقتبس فكرة ما، أو أنْ يوحى إليكَ أى عمل تَقرؤه بفكرةٍ، لكن يجب عليك أنْ تُطورها وتُضيف إليها ما يُناسبك ويُناسب المُجتمع الذى تَنتمى إليه، فتظهر شخصيتك واضحة جَلية فى هذا العمل، لا تَجعل من نفسك نُسخة مُكررة من غيرك، ففكرة التطابق مَرفوضة تمامًا ، والاستنساخ لن يُضيف شيئًا لا لكَ، ولا لمجتمعك، عليك بتطوير ذاتك لكى تصل إلى مُبتغاك، فالنجاح فى أمرٍ ما ليس صعبًا ، المحافظة عليه لكى تكون الأفضل ، هو ما سَيُميزك عن غيرك من أقرانك ؛ لأنَّ السرقات الفكرية داءٌ عُضال سَيَظل يَنخر كالسوس فى مُجتمعنا ، إلى أنْ نَفيق مما نحن فيه ، ارتقوا يرحمكم الله .