لا أعرف لماذا يتعمد غالبية الناس السخرية من الفلاسفة ، ووضعهم في موضع من يخرجون عن الإطار الواقعي ، ونسج حالة خاصة بهم ، لا ترقى إلى أرض الواقع ، على الرغم من أن الفلسفة هي في حقيقتها تجسيد للواقع ، وحصر لمواقف الحياة في صورة آراء ثاقبة ، ومن يعجز عن فلسفة الحياة ، أو على الأقل فلسفة حياته ، فقطعًا ينقصه الكثير .
فالفلسفة بجانب أنها علم له تاريخه وأصوله وعراقته ، فهي أيضًا قادرة على التعمق في نسيج الحياة ، وتواصل مع ماضيها ، وتعايش مع حاضرها ، وتوقع لمستقبلها ، فهي ربط كامل متكامل مع كل ما يمر بنا عبر حياتنا ، والفيلسوف لا تمر عليه أي شائبة مرور الكرام ، فهو دائمًا يُدرك كل دقائق حياته ، ويسعى إلى وضع نظريات مدروسة ، سواء لحياته بشكل خاص ، أو للحياة بوجه عام ، فهو على أتم وكامل العلم بأن الحياة لا يُمكن النظر إليها من منظور ضيق ، أو النظر إليها نظرة عشوائية .
وما يُدهشني هو ، ما العيب في ذلك ؟! ولماذا يُعيب الكثيرون على هؤلاء الذين يُحاولون أن يجدوا لحياتهم معنى ، وأن يجعلوا للحياة قيمة معنوية ، متجردة من كل الرغبات المادية .
وبهذه المناسبة ، سأل أحد الأشخاص الفيلسوف "ديوجينيس" : "هل تعرف ما هي الحكمة في إحسان الناس وتصدّقهم على أصحاب العاهات من العُمْي والعُرْج ، وعدم إحسانهم وتصدقهم عليكم أنتم معشر الفلاسفة" ، فقال الفيلسوف : "إن الحكمة في ذلك واضحة ، لأن الناس متأهلون ومستعدون للعَمَى والعَرَج ، وليس كل واحد أهلاً للفلسفة" .
ورغم وجاهة هذا الرد ، إلا أنني لو كنت سُئِلْتُ هذا السؤال ، لكان ردي : "وهل الفلاسفة في حاجة للإحسان أو الصدقة أو الشعور بالشفقة" .
فلو أدرك البشر نعمة فلسفة الحياة ، لتمنى كل إنسان أن يُولد ويموت فيلسوفًا ، فيكفي أن تظل آراؤه منارة تُنير حياة البشر طيلة الأمد .