كل ما كانت تملكه عينين واسعتين وضحكة حادة الإيقاع وبراءة غير مألوفة، ملاك صغير يسير على الأرض، هكذا كنت أراها طفلة لم تتجاوز السادسة من العمر، اعتدت أن ألتقيها صبيحة كل يوم أثناء ذهابى للعمل ترتدى زىّ مدرسة حكومية، لم يخلو مظهرها من تأنق مبكر وخُيلاء فى مشيتها وكأنها أميرة تصعد درجات سلم العرش.
كلما رأتنى، تُسرع إلى فى شغف وترفع يدها بالسلام فألتقطها لأطبع عليها قبلة صغيرة وتسألنى: عن عملى وأين هو؟ ودائما أُسمعها نفس الإجابة لتنصت بشغف أكبر.
ورغم معرفتى بها فترة طويلة تكاد تقترب من العام الدراسى الكامل، دائما كنت أراها وحدها دون رفيق من قريب أو جار، كما كانت تتهّرب دائما من سؤالى عن اسمها وتجيب بضحكة طويلة حتى تدمع عينيها وتنطلق فى طريقها جريا .
وذات يوم خرجت لعملى صباحا وانتظرتها، لم تأت لقد اختفت للأبد فلم أراها بعدها، وقد سألت بائعة الجرائد على ناصية الشارع عن الطفلة فلم أظفر سوى بابتسامة تحمل رثاء ثم أشاحت بوجهها بعيدا.