إن من الكلام ما هو أحلى من العسل، فإن قيل فى قطيعة وصل؛ وإن منه ما هو من اللبن أغدق، فإن قيل فى صلح جمع ووفق؛ وإن منه ما هو أغلى من الذهب فإن دخل على حزن ذهب. كلام طيب يفشى السلام ويوصل الأرحام ويطرح فى القلوب الطمأنينة كزيارة الحبيب فى المنام.
وإن من الكلام ما هو ملفوف يحمل فى ظاهره الخير وفى باطنه أحد من السيوف؛ تبلغ به الأوهام ويقطع به الأرحام؛ حينما يخرج من الفم يجرى فى العروق كالسم، وإن منه ما هو بزىء وهزيل يهد الجبال ويقطع الوصال ويدخل على الناس كالعقرب هو للشر من الخير أقرب.
فالكلمة الطيبة كالرائحة الطيبة دائما فواحة، تبث فى النفوس الراحة وتحمل فى طياتيها السماحة، والكلمة الخبيثة كسرطان ينتشر فى الأبدان فيفكك الأعضاء ويعكر الأجواء وما له من دواء، وللكلام ميعاد، فإن قيل فى أوانه صاب وإن تقدم أو تأخر خاب؛ فاحرص على قول الخير وانتقى كلامك فى كل أمر؛ وإن لم تستطع أو على الشر هممت فالأولى أن تلتزم الصمت.
فالصمت أحيانا أبلغ من الحوار ينزل على الثائر كالماء على النار؛ وأقرن صمتك دائما بالصبر والتهذيب، فإن عوتبت بعد ذلك كان لك من الحق نصيب، تكلم بما تحب أن تسمع واخفض من صوتك ولا ترفع... قل الحق وإن قوبل بالإعراض .. وابتغى فى ذلك وجه رب العباد.